إبراهيم أديب العوضي/ اجتهادات / دستورنا ينتهك

تصغير
تكبير
يوم الثلاثاء قبل الماضي هو في الواقع يوم أسود بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، كيف لا وقد شوه كل من أعضاء الحكومة والمجلس مجتمعين التجربة الديموقراطية الكويتية الثرية من خلال التصويت على اقتراح سحب استجواب رئيس الوزراء المقدم من قبل كل من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري، فابتدعوا بذلك سابقة فريدة هي الأولى من نوعها في تاريخ الديموقراطية، ولعلها ستصبح بذلك بابا جديدا لمزيد من الخروقات في النظام الدستوري الذي شكل الرابط الأساسي في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والأساس الذي رست عليه دعائم الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية.

فأي عاقل يمكن أن يصدق ما قامت به الحكومة من خلال مشاركتها في التصويت على سحب استجواب رئيس مجلس الوزراء بحجة أن أعضاءها في الوقع هم أعضاء في المجلس، معتمدة بذلك على حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية الاستجواب المقدم من قبل النائبين المذكورين. فمن حيث المبدأ، فإنه ومن المتعارف عليه ووفقا لما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور، وتحديدا في ما يتعلق بالمادة (137) منه، فإن مجلس الأمة هو سيد قراراته في ما يتعلق بأي قرار يصدر من المحكمة بخصوص الاستجوابات، وأن الأصل في قيامها، وفقا لما جاء في المذكرة التفسيرية، «هو وضع التفسير القضائي الصحيح لأحكام القوانين وفي مقدمتها الدستور قانون القوانين» وعليه فإن الاعتماد على حكم المحكمة الدستورية كحكم نهائي هو لا أساس له من الواقع، وحجة واهية لمن لا حجة له، كما أن حكم المحكمة الدستورية المتعلق بالاستجواب المذكور لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى الاستجواب عينه المقدم من قبل النائبين.

أضف إلى ذلك أن كل من الدستور، واللائحة الداخلية المنظمة لأعمال مجلس الأمة الكويتي، جاءت واضحة في ما يتعلق بسحب الاستجوابات ومنظمة له... فخذ على سبيل المثال عزيزي القارئ المادة (142) من اللائحة الداخلية والتي نصت صراحة على أن الاستجواب لا يسقط بأي حال من الأحوال إلا بتخلي من وجه إليه الاستجوب عن منصبه، أو بزوال عضوية من قدم الاستجواب، أو بانتهاء الفصل التشريعي، أو بتنازل من طلب الاستجواب عن الاستجواب نفسه، وعليه فإن ما حدث ما هو إلا إنقلاب واضح على المفاهيم الديموقراطية، وترسيخ لقيم مستحدثة لتشويه التجربة، وتعزيز لمزيد من الخروقات لقانون القوانين، كما أنه من المضحك حقا أن تقوم الحكومة بالتصويت على قرار متعلق باستجواب أحد أعضائها، والأدهى أن يكون المستجوب هو رئيسها، وهي في الوقت نفسه لا تصوت بحكم القانون على القرارات الأخرى كقرار عدم التعاون وسحب الثقة!

أما ما حدث يوم الأربعاء الماضي من اقتحام البعض مجلس الأمة فهو بلا شك تصرف لا يقبله أي عاقل شاء من شاء وأبى من أبى، فالعنف لا يواجه بالعنف، والعناد والمكابرة لا يقابلها غوغائية وتصرفات رعناء، وعلى الرغم من إيماني الكامل بما تحمله كتلة المعارضة من مطالب مشروعة من محاسبة حكومة لا مبالية شابهها قضايا هزت أركان الدولة، كقضية الإيداعات المليونية، مرورا بقضية التحويلات الخارجية المشبوهة، إضافة إلى تراخيها في تطبيق خطة التنمية المهلهة أصلا، وسوء إدارتها للأزمة الاقتصادية، وتخاذلها وضعفها في مواجهة قضية الإضرابات والاعتصامات المتعلقة بالكوادر، وسوء تطبيقها للقوانين في قضايا حساسة أفقدت من خلالها هيبة الدولة، وأضحى أمنها بين سندان الفوضى المطلقة ومطرقة التسيب، إلا أنها وبفعلتها هذه فإنها قد رمت طوق النجاة الموقت، وساهمت باستمرار الحكومة لمدة أطول، وعززت من صمودها في وجه الموجات العاتية التي طالتها باستحقاق من كل جانب.





إبراهيم أديب العوضي

boadeeb@yahoo.com

Twitter: @ibrahimAalawadi
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي