رأى أن الصراع والضغوط لإخضاع دمشق ستستمر... «لكنها لن ترضخ»
الأسد: العرب يوفّرون ذريعة لتدخل عسكري غربي في سورية
الرئيس السوري بشار الأسد
الأسد خلال حواره مع الصحافية هالة جابر
| إعداد عبدالعليم الحجار |
اتهم الرئيس السوري بشار الأسد الجامعة العربية بايجاد ذريعة للدول الغربية للتدخل عسكرياً في سورية، من خلال تعليق عضوية بلاده واظهار أن العرب غير متفقين بشأن الأوضاع فيها.
وقال الأسد في مقابلة مع صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية أجرتها الصحافية هالة جابر في دمشق ونشرت في عدد الصحيفة أمس ان «الصراع سيستمر والضغوط لاخضاع سورية ايضا ستستمر، لكن سورية لن تخضع».
في الآتي تنشر «الراي» ترجمة بتصرف لوقائع هذا الحوار:
كان من الممكن أن يظن المرء بالخطأ أن ذلك الشخص كان موظفاً تنفيذياً تجارياً شاباً، وفي واقع الأمر، كان من الصعب على المرء أن يتخيل أن ذلك الشخص الطويل القامة ذا البدلة الداكنة الذي حيّا الموظفين بحرارة بينما كان يحمل حقائبه بنفسه خلال دخوله إلى قصر تشرين (الرئاسي) كان أي شيء آخر سوى موظف تنفيذي تجاري.
ومع ذلك، كان ذلك الشخص هو بشار الأسد، الرئيس السوري الذي يُقال إن أكثر من 3500 شخص (سوري) قد تم قتلهم باسمه خلال ثمانية أشهر من العنف، فلقد تفاقمت المصادمات المسلحة إلى حد أن حليف سورية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف الوضع هناك بأنه يقترب من الحرب الأهلية.
ولا يمكن أن يكون هنالك درجة أعلى من التباين القائم حالياً بين موجة التقتيل التي اكتنفت أجزاء من سورية (خلال الأشهر الثمانية الفائتة) وبين الأسلوب الفاتر الذي ينتهجه الرئيس السوري ذو النبرة الهادئة الذي يتولى بنفسه الاشراف على الجهود الرامية إلى احتواء الوضع من قصره العالي.
الرئيس السوري صافحني (كاتبة السطور) بابتسامة ثم تقدمني إلى غرفة معيشة لتبادل الشاي، ولأنه كان قد أحيط علماً سلفاً بأن زوجي كان مريضاً فإنه استفسر باهتمام عن صحته ثم واساني بلطف قائلاً: «تسلحي بالإيمان».
وعلى مسافة نحو 20 كيلومترا فقط من مكان جلوسنا، كان «الجيش السوري الحر» - وهو قوة عسكرية شكلها حديثاً منشقون عن جيش الأسد - قد هاجم قاعدة استخباراتية تابعة لسلاح الطيران، وذلك في واحدة من أكثر عملياته جرأة حتى الآن.
وعلاوة على ذلك فإن بشار الأسد البالغ من العمر 46 عاماً يتعرض لهجوم من جانب منتقدين حول العالم، ليس فقط في الغرب بل أيضاً في منطقة الشرق الأوسط حيث منحه حلفاء سابقون في الجامعة العربية مهلة حتى أمس (أول من أمس) لإنهاء «القمع الدموي» أو مواجهة عقوبات اقتصادية.
سألناه عن شعوره كأب عندما رأى صور الأطفال الذين سقطوا بعد اطلاق النار عليهم في اطار النزاع (السوري)، علماً بأن الأسد هو أب لطفلين ذكرين يبلغ عمراهما تسع وست سنوات على التوالي بالإضافة إلى ابنة تبلغ من العمر 8 سنوات.
ورداً على ذلك السؤال قال الأسد: «كأي أب سوري آخر، عندما أرى أبناء بلدي ينزفون فأنا أشعر بالألم والأسى بطبيعة الحال. كل نقطة دم تهمني شخصياً. لكن دوري كرئيس يتمثل في الأفعال وليس في الكلمات والتعبير عن الأسى. دوري هو أن أفكر في الخطوات التي ينبغي أن أتخذها من أجل منع مزيد من سفك الدماء».
وأصر الرئيس السوري على أن الحل لا يتمثل في أن يقوم بسحب قواته (المسلحة) بل في القضاء على المسلحين الذين يلقي عليهم بلائمة الجزء الأكبر من عمليات اطلاق النار. وأضاف: «الطريقة الوحيدة هي البحث عن الأشخاص المسلحين ومطاردة العصابات المسلحة ومنع دخول الأسلحة من الدول المجاورة ومنع أعمال التخريب وتفعيل القانون والنظام».
وبالنسبة إلى محاولة الجامعة العربية الرامية إلى إيقافه، فإن الرئيس السوري رفض تلك المحاولة قائلاً إن المبادرة العربية تهدف إلى منح المجتمع الدولي ذريعة للتدخل في دولته.
وأردف موضحا: «لقد تم طرح تلك المبادرة بهدف ايضاح أن هنالك مشكلة بين العرب، وبالتالي اعطاء الدول الغربية ذريعة لشن تدخل عسكري ضد سورية»، محذراً من أن عواقب أي تدخل من ذلك النوع ستكون بمثابة زلزال من شأنه أن يهز منطقة الشرق الأوسط برمتها.
الرئيس الأسد في سدة السلطة منذ 11 عاماً، وهي الفترة التي ليست بالطويلة وفقاً للمعايير الشرق أوسطية، لكنها كانت فترة طويلة بما يكفي لجعله يتحدث بطريقة فلسفية حول الكيفية التي يراه بها العالم الخارجي. فلقد راح يتتبع منحنيات رسم توضيحي تخيلي في الهواء بينما انهمك في وصف مرتفعات ومنخفضات موقفه الدولي.
عندما أصبح رئيساً في الرابعة والثلاثين من عمره عقب وفاة والده حافظ الأسد، استبشر به العالم باعتباره قائدا شابا كافح في السابق كطبيب للعيون في لندن، وبالتالي من الممكن أن يجلب معه توقعات وآمالاً جديدة لسورية.
ورأى الأسد أن سمعته لدى واشنطن تراجعت بشكل حاد بسبب رفضه مساندة الحرب ضد العراق في العام 2003، كما ان دعمه لجماعات أصولية مثل «حزب الله» و«حماس» سرعان ما استقطب مشاعر السخط (ضده) من جانب عواصم غربية أخرى. ثم تراجعت سمعته إلى حضيض جديد (قام بتقويس اصبعه إلى الأسفل ليعبر عن ذلك) بسبب «مزاعم» تورط سورية في مؤامرة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في العام 2005.
سألنا الأسد عما إذا كان يقبل أن قوات الأمن التابعة له تتصرف على نحو مفرط في العنف والعدائية ضد المتظاهرين السلميين، ولماذا تم احتجاز الآلاف في مراكز الاعتقال حيث يقال إن التعذيب شائع، فأقر الرئيس السوري بأن هناك أخطاء، لكنه أصر على أن تلك الأخطاء يرتكبها أشخاص وليست مسؤولية الدولة، مضيفا: «نحن كدولة، ليس لدينا سياسة تقضي بأن نمارس العنف ضد المواطنين. الشيء المهم هو البحث عن المخطئين ومحاسبتهم على أفعالهم... هناك أخطاء تم اكتشافها وجرى محاسبة من ارتكبوها».
وزعم الأسد أن المعارضة بالغت في تقدير أعداد الوفيات، مشيراً إلى انها (المعارضة) أعلنت عن سقوط أشخاص كضحايا ثم اتضح لاحقاً أن أولئك الأشخاص مازالوا على قيد الحياة.
قلنا للرئيس السوري: «لكن تبقى الحقيقة التي مفادها أن هناك الكثير من المدنيين الأبرياء - رجالاً ونساءً - ممن قتلوا بالرصاص في سياق العمليات»، فرد قائلاً: «لا يستطيع المرء أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لكن باستطاعته أن يتصرف بحكمة إزاء ما هو قائم. ان دوري كرئيس - وهذا هو هاجسي اليومي حالياً - يتمثل في أن أعرف كيف أوقف سفك الدماء الحاصل حالياً بسبب أعمال إرهابيين مسلحين يقومون بضرب بعض المناطق».
وقال الأسد إن نحو 800 من أفراد قوات الأمن لقوا مصرعهم ايضا في النزاع، مشيرا إلى ان بعض هؤلاء قتلوا على أيدي عناصر إسلامية أو على أيدي منشقين عن الجيش السوري.
وسألنا الرئيس السوري عما إذا كانت لديه رسالة يود توجيهها إلى الأمهات (السوريات) اللواتي فقدن أبناء لهن على جانبي النزاع الدائر، فقال: «من الطبيعي انني - كأب - أتعاطف معهن، ولقد التقيت عددا كبيرا من أفراد أسر الضحايا المدنيين والعسكريين - جلست معهم وتحدثت إليهم».
ثم جاء انتخاب الرئيس (الأميركي) باراك أوباما في العام 2008 ليؤذن ببدء فترة انتعاشة وجيزة (في العلاقات الثنائية)، وهي الفترة التي وجد الأسد نفسه خلالها يحظى بـ «غزل» من جانب قادة في أوروبا والولايات المتحدة ممن كانوا يأملون في سحب سورية بعيداً عن جارتها وحليفتها إيران.
وتعليقاً على سؤال حول مخاوف الغرب من أن أي زعزعة للاستقرار في سورية قد تثير الاضطراب في المنطقة برمتها، قال الأسد: «النزاع سيستمر كما سيستمر الضغط الرامي إلى اخضاع سورية، لكنني أؤكد لكم على أن سورية لن ترضخ وأنها ستواصل مقاومة الضغوطات التي ستفرض عليها».
وأصر الرئيس السوري على أن الحاصل حالياً في بلاده لا يقض مضجعه، مضيفا: «انني هادئ بطبيعتي. فأنا لا أتعامل مع الأزمات بطريقة عاطفية بل أتعامل معها بهدوء. وهذا يجعلني أكثر انتاجية وأكثر قدرة على التوصل إلى الحلول. أما التوتر فإنه شيء سلبي».
وقال الأسد انه بدأ عملية اصلاح بعد مرور 6 أيام على انطلاق شرارة التظاهرات في سورية، منوها إلى انه لم يجد من بعض مناوئيه استجابة سوى حمل السلاح، وأضاف: «بعد مرور 8 أشهر أصبحت الصورة أوضح بالنسبة لنا... انها ليست مسألة تظاهرات سلمية، بل هي مسألة عمليات مسلحة».
وأشار الأسد إلى أنه يعتزم على الرغم من ذلك اجراء انتخابات في فبراير أو مارس المقبل. وقال موضحا: «سيكون لدينا برلمان جديد. وبعد ذلك ستكون لدينا حكومة جديدة. وسيصبح لدينا دستور جديد، وذلك الدستور الجديد سيرسي الأساس لكيفية انتخاب الرئيس»، مؤكدا انه سيرحل من منصبه إذا خسر الانتخابات الرئاسية. وقال: «انني هنا لخدمة دولتي، ودولتي ليست لخدمتي».
ووصف الأسد قرار الجامعة العربية الأخير بتعليق عضوية سورية بالقرار «غير المناسب» قائلاً: انه «على الرغم من ان العقوبات الاقتصادية التي هدد بها ذلك القرار ستلحق الضرر بسورية، فإنه تم ايجاد سبل لتخفيف حدة ذلك الضرر».
ورداً على سؤال حول ما إذا كان سيقاتل حتى الموت في حال شن أي عمل عسكري ضد بلاده، قال الأسد: «بكل تأكيد، سأفعل ذلك دون أدنى شك»، لكن عندما سألناه - عما إذا كان سيقاتل في سبيل الاحتفاظ بمنصبه كرئيس، فإنه قال: «بالتأكيد لا، وذلك لأن هذا سيكون قتالاً في سبيل نفسي وليس في سبيل سورية، إذا كان عليّ أن أقاتل فسيكون ذلك من أجل سورية ومن أجل الشعب السوري».
ولدى سؤاله عن مدى ما يعرفه أطفاله عن حقيقة الوضع الراهن في سورية، قال الأسد انه وزوجته (أسماء الأسد) شرحا لهم الوضع بعبارات يستطيع الأطفال ممن هم دون العاشرة أن يستوعبوها. وأضاف: «لا يستطيع المرء أن يكذب عليهم أو أن يخفي عنهم معلومات سيكتشفونها بأنفسهم لاحقاً. بالنسبة للأطفال، تكون الأمور دائماً إما أبيض وإما أسود. وفي نظرهم يكون الناس إما أخيارا وإما أشرارا، لذا فإنه من المهم شرح أبعاد الصورة التي يرونها. والسؤال الرئيسي الذي يطرحه الأطفال هو: لماذا يوجد لدينا أناس أشرار؟ وعلى المرء أن يشرح لهم أن مثل أولئك الناس يوجدون في كل مجتمع لكن الغالبية العظمى هي من الأخيار الذين يحاولون ايجاد حل للمشكلة».
وسألناه عما إذا كان أطفاله الثلاثة قد شاهدوا صور القتلى (السوريين) عبر شاشات التلفزة، وعما إذا كانوا تساءلوا كيف تم قتل أولئك الأشخاص، فأجاب: «للأسف، هم يشاهدون تلك الصور ويتعين علينا (أنا ووالدتهم) أن نشرح لهم الأمر».
وماذا إذا أراد أحد أبنائك أن يصبح رئيساً؟ رد الأسد قائلاً: «لا أحد يستطيع أن يقرر مستقبل أبنائه».
اتهم الرئيس السوري بشار الأسد الجامعة العربية بايجاد ذريعة للدول الغربية للتدخل عسكرياً في سورية، من خلال تعليق عضوية بلاده واظهار أن العرب غير متفقين بشأن الأوضاع فيها.
وقال الأسد في مقابلة مع صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية أجرتها الصحافية هالة جابر في دمشق ونشرت في عدد الصحيفة أمس ان «الصراع سيستمر والضغوط لاخضاع سورية ايضا ستستمر، لكن سورية لن تخضع».
في الآتي تنشر «الراي» ترجمة بتصرف لوقائع هذا الحوار:
كان من الممكن أن يظن المرء بالخطأ أن ذلك الشخص كان موظفاً تنفيذياً تجارياً شاباً، وفي واقع الأمر، كان من الصعب على المرء أن يتخيل أن ذلك الشخص الطويل القامة ذا البدلة الداكنة الذي حيّا الموظفين بحرارة بينما كان يحمل حقائبه بنفسه خلال دخوله إلى قصر تشرين (الرئاسي) كان أي شيء آخر سوى موظف تنفيذي تجاري.
ومع ذلك، كان ذلك الشخص هو بشار الأسد، الرئيس السوري الذي يُقال إن أكثر من 3500 شخص (سوري) قد تم قتلهم باسمه خلال ثمانية أشهر من العنف، فلقد تفاقمت المصادمات المسلحة إلى حد أن حليف سورية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف الوضع هناك بأنه يقترب من الحرب الأهلية.
ولا يمكن أن يكون هنالك درجة أعلى من التباين القائم حالياً بين موجة التقتيل التي اكتنفت أجزاء من سورية (خلال الأشهر الثمانية الفائتة) وبين الأسلوب الفاتر الذي ينتهجه الرئيس السوري ذو النبرة الهادئة الذي يتولى بنفسه الاشراف على الجهود الرامية إلى احتواء الوضع من قصره العالي.
الرئيس السوري صافحني (كاتبة السطور) بابتسامة ثم تقدمني إلى غرفة معيشة لتبادل الشاي، ولأنه كان قد أحيط علماً سلفاً بأن زوجي كان مريضاً فإنه استفسر باهتمام عن صحته ثم واساني بلطف قائلاً: «تسلحي بالإيمان».
وعلى مسافة نحو 20 كيلومترا فقط من مكان جلوسنا، كان «الجيش السوري الحر» - وهو قوة عسكرية شكلها حديثاً منشقون عن جيش الأسد - قد هاجم قاعدة استخباراتية تابعة لسلاح الطيران، وذلك في واحدة من أكثر عملياته جرأة حتى الآن.
وعلاوة على ذلك فإن بشار الأسد البالغ من العمر 46 عاماً يتعرض لهجوم من جانب منتقدين حول العالم، ليس فقط في الغرب بل أيضاً في منطقة الشرق الأوسط حيث منحه حلفاء سابقون في الجامعة العربية مهلة حتى أمس (أول من أمس) لإنهاء «القمع الدموي» أو مواجهة عقوبات اقتصادية.
سألناه عن شعوره كأب عندما رأى صور الأطفال الذين سقطوا بعد اطلاق النار عليهم في اطار النزاع (السوري)، علماً بأن الأسد هو أب لطفلين ذكرين يبلغ عمراهما تسع وست سنوات على التوالي بالإضافة إلى ابنة تبلغ من العمر 8 سنوات.
ورداً على ذلك السؤال قال الأسد: «كأي أب سوري آخر، عندما أرى أبناء بلدي ينزفون فأنا أشعر بالألم والأسى بطبيعة الحال. كل نقطة دم تهمني شخصياً. لكن دوري كرئيس يتمثل في الأفعال وليس في الكلمات والتعبير عن الأسى. دوري هو أن أفكر في الخطوات التي ينبغي أن أتخذها من أجل منع مزيد من سفك الدماء».
وأصر الرئيس السوري على أن الحل لا يتمثل في أن يقوم بسحب قواته (المسلحة) بل في القضاء على المسلحين الذين يلقي عليهم بلائمة الجزء الأكبر من عمليات اطلاق النار. وأضاف: «الطريقة الوحيدة هي البحث عن الأشخاص المسلحين ومطاردة العصابات المسلحة ومنع دخول الأسلحة من الدول المجاورة ومنع أعمال التخريب وتفعيل القانون والنظام».
وبالنسبة إلى محاولة الجامعة العربية الرامية إلى إيقافه، فإن الرئيس السوري رفض تلك المحاولة قائلاً إن المبادرة العربية تهدف إلى منح المجتمع الدولي ذريعة للتدخل في دولته.
وأردف موضحا: «لقد تم طرح تلك المبادرة بهدف ايضاح أن هنالك مشكلة بين العرب، وبالتالي اعطاء الدول الغربية ذريعة لشن تدخل عسكري ضد سورية»، محذراً من أن عواقب أي تدخل من ذلك النوع ستكون بمثابة زلزال من شأنه أن يهز منطقة الشرق الأوسط برمتها.
الرئيس الأسد في سدة السلطة منذ 11 عاماً، وهي الفترة التي ليست بالطويلة وفقاً للمعايير الشرق أوسطية، لكنها كانت فترة طويلة بما يكفي لجعله يتحدث بطريقة فلسفية حول الكيفية التي يراه بها العالم الخارجي. فلقد راح يتتبع منحنيات رسم توضيحي تخيلي في الهواء بينما انهمك في وصف مرتفعات ومنخفضات موقفه الدولي.
عندما أصبح رئيساً في الرابعة والثلاثين من عمره عقب وفاة والده حافظ الأسد، استبشر به العالم باعتباره قائدا شابا كافح في السابق كطبيب للعيون في لندن، وبالتالي من الممكن أن يجلب معه توقعات وآمالاً جديدة لسورية.
ورأى الأسد أن سمعته لدى واشنطن تراجعت بشكل حاد بسبب رفضه مساندة الحرب ضد العراق في العام 2003، كما ان دعمه لجماعات أصولية مثل «حزب الله» و«حماس» سرعان ما استقطب مشاعر السخط (ضده) من جانب عواصم غربية أخرى. ثم تراجعت سمعته إلى حضيض جديد (قام بتقويس اصبعه إلى الأسفل ليعبر عن ذلك) بسبب «مزاعم» تورط سورية في مؤامرة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في العام 2005.
سألنا الأسد عما إذا كان يقبل أن قوات الأمن التابعة له تتصرف على نحو مفرط في العنف والعدائية ضد المتظاهرين السلميين، ولماذا تم احتجاز الآلاف في مراكز الاعتقال حيث يقال إن التعذيب شائع، فأقر الرئيس السوري بأن هناك أخطاء، لكنه أصر على أن تلك الأخطاء يرتكبها أشخاص وليست مسؤولية الدولة، مضيفا: «نحن كدولة، ليس لدينا سياسة تقضي بأن نمارس العنف ضد المواطنين. الشيء المهم هو البحث عن المخطئين ومحاسبتهم على أفعالهم... هناك أخطاء تم اكتشافها وجرى محاسبة من ارتكبوها».
وزعم الأسد أن المعارضة بالغت في تقدير أعداد الوفيات، مشيراً إلى انها (المعارضة) أعلنت عن سقوط أشخاص كضحايا ثم اتضح لاحقاً أن أولئك الأشخاص مازالوا على قيد الحياة.
قلنا للرئيس السوري: «لكن تبقى الحقيقة التي مفادها أن هناك الكثير من المدنيين الأبرياء - رجالاً ونساءً - ممن قتلوا بالرصاص في سياق العمليات»، فرد قائلاً: «لا يستطيع المرء أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، لكن باستطاعته أن يتصرف بحكمة إزاء ما هو قائم. ان دوري كرئيس - وهذا هو هاجسي اليومي حالياً - يتمثل في أن أعرف كيف أوقف سفك الدماء الحاصل حالياً بسبب أعمال إرهابيين مسلحين يقومون بضرب بعض المناطق».
وقال الأسد إن نحو 800 من أفراد قوات الأمن لقوا مصرعهم ايضا في النزاع، مشيرا إلى ان بعض هؤلاء قتلوا على أيدي عناصر إسلامية أو على أيدي منشقين عن الجيش السوري.
وسألنا الرئيس السوري عما إذا كانت لديه رسالة يود توجيهها إلى الأمهات (السوريات) اللواتي فقدن أبناء لهن على جانبي النزاع الدائر، فقال: «من الطبيعي انني - كأب - أتعاطف معهن، ولقد التقيت عددا كبيرا من أفراد أسر الضحايا المدنيين والعسكريين - جلست معهم وتحدثت إليهم».
ثم جاء انتخاب الرئيس (الأميركي) باراك أوباما في العام 2008 ليؤذن ببدء فترة انتعاشة وجيزة (في العلاقات الثنائية)، وهي الفترة التي وجد الأسد نفسه خلالها يحظى بـ «غزل» من جانب قادة في أوروبا والولايات المتحدة ممن كانوا يأملون في سحب سورية بعيداً عن جارتها وحليفتها إيران.
وتعليقاً على سؤال حول مخاوف الغرب من أن أي زعزعة للاستقرار في سورية قد تثير الاضطراب في المنطقة برمتها، قال الأسد: «النزاع سيستمر كما سيستمر الضغط الرامي إلى اخضاع سورية، لكنني أؤكد لكم على أن سورية لن ترضخ وأنها ستواصل مقاومة الضغوطات التي ستفرض عليها».
وأصر الرئيس السوري على أن الحاصل حالياً في بلاده لا يقض مضجعه، مضيفا: «انني هادئ بطبيعتي. فأنا لا أتعامل مع الأزمات بطريقة عاطفية بل أتعامل معها بهدوء. وهذا يجعلني أكثر انتاجية وأكثر قدرة على التوصل إلى الحلول. أما التوتر فإنه شيء سلبي».
وقال الأسد انه بدأ عملية اصلاح بعد مرور 6 أيام على انطلاق شرارة التظاهرات في سورية، منوها إلى انه لم يجد من بعض مناوئيه استجابة سوى حمل السلاح، وأضاف: «بعد مرور 8 أشهر أصبحت الصورة أوضح بالنسبة لنا... انها ليست مسألة تظاهرات سلمية، بل هي مسألة عمليات مسلحة».
وأشار الأسد إلى أنه يعتزم على الرغم من ذلك اجراء انتخابات في فبراير أو مارس المقبل. وقال موضحا: «سيكون لدينا برلمان جديد. وبعد ذلك ستكون لدينا حكومة جديدة. وسيصبح لدينا دستور جديد، وذلك الدستور الجديد سيرسي الأساس لكيفية انتخاب الرئيس»، مؤكدا انه سيرحل من منصبه إذا خسر الانتخابات الرئاسية. وقال: «انني هنا لخدمة دولتي، ودولتي ليست لخدمتي».
ووصف الأسد قرار الجامعة العربية الأخير بتعليق عضوية سورية بالقرار «غير المناسب» قائلاً: انه «على الرغم من ان العقوبات الاقتصادية التي هدد بها ذلك القرار ستلحق الضرر بسورية، فإنه تم ايجاد سبل لتخفيف حدة ذلك الضرر».
ورداً على سؤال حول ما إذا كان سيقاتل حتى الموت في حال شن أي عمل عسكري ضد بلاده، قال الأسد: «بكل تأكيد، سأفعل ذلك دون أدنى شك»، لكن عندما سألناه - عما إذا كان سيقاتل في سبيل الاحتفاظ بمنصبه كرئيس، فإنه قال: «بالتأكيد لا، وذلك لأن هذا سيكون قتالاً في سبيل نفسي وليس في سبيل سورية، إذا كان عليّ أن أقاتل فسيكون ذلك من أجل سورية ومن أجل الشعب السوري».
ولدى سؤاله عن مدى ما يعرفه أطفاله عن حقيقة الوضع الراهن في سورية، قال الأسد انه وزوجته (أسماء الأسد) شرحا لهم الوضع بعبارات يستطيع الأطفال ممن هم دون العاشرة أن يستوعبوها. وأضاف: «لا يستطيع المرء أن يكذب عليهم أو أن يخفي عنهم معلومات سيكتشفونها بأنفسهم لاحقاً. بالنسبة للأطفال، تكون الأمور دائماً إما أبيض وإما أسود. وفي نظرهم يكون الناس إما أخيارا وإما أشرارا، لذا فإنه من المهم شرح أبعاد الصورة التي يرونها. والسؤال الرئيسي الذي يطرحه الأطفال هو: لماذا يوجد لدينا أناس أشرار؟ وعلى المرء أن يشرح لهم أن مثل أولئك الناس يوجدون في كل مجتمع لكن الغالبية العظمى هي من الأخيار الذين يحاولون ايجاد حل للمشكلة».
وسألناه عما إذا كان أطفاله الثلاثة قد شاهدوا صور القتلى (السوريين) عبر شاشات التلفزة، وعما إذا كانوا تساءلوا كيف تم قتل أولئك الأشخاص، فأجاب: «للأسف، هم يشاهدون تلك الصور ويتعين علينا (أنا ووالدتهم) أن نشرح لهم الأمر».
وماذا إذا أراد أحد أبنائك أن يصبح رئيساً؟ رد الأسد قائلاً: «لا أحد يستطيع أن يقرر مستقبل أبنائه».
