مقال / عن الطغيان!

تصغير
تكبير
| إبراهيم صموئيل |

من المفيد، فضلاً عن المتعة الكبيرة، معاودة قراءة بعض الكتب، اذ اننا، في قراءة ثانية خصوصاً بعد سنوات من القراءة الأولى، سنجد أنفسنا متوقفين مع بعض المحطات، متأملين في بعض الأفكار والوقائع على نحو جديد يقوّي الدهشة ويجدّدها، اضافة الى ما يمكن أن تمنحنا بعض الكتب من تعمّق الرؤية في موضوعاتها. قبل فترة، وبسبب من حلول الربيع العربي «بعد يباس طالت عقوده» على حدِّ تعبير المفكر صادق جلال العظم، وجدتني أعود الى كتاب ألّفه المفكر الدكتور امام عبد الفتاح امام وأصدرته سلسلة عالم المعرفة في الكويت العام 1994 تحت عنوان: «الطاغية/ دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي» فأفيد منه واستمتع به كما لو أنني أطالعه للمرة الأولى!

ولا أبالغ ان قلت إنني حرت في ما أنقل للقارئ من الكتاب وفي ما اتركه، اذ يستحق أن يُطبع اليوم ويُوزّع على الناس مجاناً ليروا كم عمر الاستبداد في الحياة البشرية، وكم من صور وأشكال تجلّى بها، ثم كم من الوحدة المتجانسة في مضمون الاستبداد وجوهره! فما يجرى اليوم جرى قبل آلاف السنين «وليس قبل عقود أو مئات فحسب»، وما وقع في ذلك التاريخ الموغل في القدم يقع اليوم ويُعاود ظهوره تحت مسميات وأشكال وصور متعددة، حتى ليخال المرء أن التسلط والطغيان والاستبداد وُجد مع البشر منذ أن وُجدوا واجتمعوا.

وقد عاش عالمنا الثالث - يؤكد صاحب الكتاب منذ الأسطر الأولى في تقديمه - «تاريخه الطويل يحكمه طغاة من كل نحلة ولسان وما زال الطغيان يطل برأسه هنا وهناك كلما سنحت الظروف، وهي كثيراً ما تسنح في عالم متخلّف، ترتفع فيه نسبة الأمية، ويغيب الوعي» الى أن بات العديدون لا يجدون حرجاً في الحديث عن «ايجابياته»!! وهنا يتساءل المؤلف: «وحتى لو افترضنا أن له ايجابيات هائلة، فما قيمة هذه الايجابيات اذا كان ثمنها تدمير الانسان وتحطيم قيمه وتحويل الشعب الى جماجم وهياكل عظمية تسير في الشارع منزوعة النخاع، شخصيات تافهة تطحنها مشاعر الدونية والعجز واللاجدوى؟!».

لست في وارد تلخيص الكتاب، فهو يُقرأ فقط، اذ انه يعود الى نشأة الطغيان وظهور الطاغية، وانقسام المجتمعات الى فئة حاكمة وأخرى محكومة، مورداً من الصور والوقائع والأحوال الكثير منذ عصر فرعون وزمن الفيلسوف اليوناني أفلاطون «427 - 347 ق.م»، الى عصرنا الحديث ما يجعل القارئ يتأمل مزيداً ويستوعب أكثر فأكثر الأسباب العميقة لما يجري اليوم في عالمنا العربي من محاولات شعوب بلداننا خلع الآفة القديمة الجديدة عن حيواتها ومصائرها بغية الوصول الى فضاء من الحرية والعدالة والكرامة.

«ان تنازل الانسان عن حريته - يقول جان جاك روسو - يعني أنه يتنازل عن انسانيته، أي أن يتنازل عن حقوقه وواجباته كإنسان» وفي حال كهذه «فان كلمة حق وكلمة استعباد كلمتان متناقضتان، احداهما تلغي الأخرى. وسواء أكان الأمر بين انسان وانسان، أو بين انسان وشعب بأسره، فمن الخلَف المحال دائماً أن نقول: «انني أعقد معك اتفاقاً بموجبه يكون كل شيء على حسابك وكل شيء لصالحي، وسوف احترمه ما دام يروق لي ذلك، وستحترمه أنتَ ما دام يروق لي أيضاً»!

أليس مسعى عظيماً وجليلاً وبالغ الأهمية ما تسعى اليه شعوبنا هذه المرحلة وهي تخلع عن نفسها نير الاستعباد والطغيان والاستبداد لتدخل عصراً من الانسانية الحرة لم تجرّبها منذ قرون، ولا ذاقت لها طعما؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي