ضواحي / الحكمة

u0644u0648u062du0629 u0644u0644u0641u0646u0627u0646 u0645u062du0645u0648u062f u0623u0634u0643u0646u0627u0646u064a
لوحة للفنان محمود أشكناني
تصغير
تكبير
| هادي عباس حسين |

السكون دب بأرجاء المكان وحديقتي التي توسطتها جانبا تحت ظل شجرة الصفصاف العالية ورائحة الزهور امتزجت مع رائحة المنبعثة من شجرة القداح المنتشرة في الفضاء،** لم يكن الحي الذي اسكنه فقيرا بل اجتمع على اغلب طوائف الناس فمنهم الأطباء والصيادلة والضباط ولذا أطلقوا عليه حي الضباط او زيونة، فتحت فمي بعدما شعرت بالعطش على ابنتي:

- نادية... يا نادية... أين كوب الحليب وصمونتي الحارة...؟

في البداية لن تنتبه نادية لصوتي لكن تكراري المتواصل جعلها تأتي مسرعة وكادت تسقط أرضا فقالت:

- حاضر حجي... لحظات وكل شيء يأتيك... أنت تأمرني...!

لم تكن نادية ابنتي بل زوجة ابني ولكن لطيبة قلبها واهتمامها المتزايد لي دفعني أن أناديها بابنتي، معتبرا إياها ملاذي الوحيد وما تبقى لي في هذه الدنيا، أنها تعيشني في روتين ثابت وفق جدول مخطط له ومدروس بعناية فائقة، فهي تحفظ كل صغيرة وكبيرة تخصني، كان زوجها المهندس عماد يؤكد عليها بالعناية بي، أنها منفذة لأوامره، صوت ضربات الباب اسمعها بأذني فان التيار الكهربائي منقطع لذا لن يرن جرس البيت،

حاولت النهوض لكني وجدتها تركض صوب الباب قبل أن

تصل اليها صاحت بصوت سمعته:

- يا حاج انه الدكتور مزعل...؟

شعرت بالفرح يطوقني حينما سمعت باسمه فقد اختصر لي مسافة الطريق ومشقته للوصول إلى عيادته بعد أن نتعرض إلى تفتيش السيطرات ومشاكلها، توقف قبالتي ونطق:

- ما شاء الله أنت أيها الحاج أراك عال العال...

غابت عن أنظاري نادية ما جعلني أن أكون مشغولا بالحديث مع طبيبي فقلت له:

- يعني ضغطي جيد... سكري جيد... أكمل كل الفحوصات

رايته توقفت أنفاسه وازداد الارتباك على وجهه وهو يضع السماعة على قلبي، وظل يعيدها بالتكرار وباهتمام شديد، حتى قال وباهتمام متزايد:

- عليك الحضور إلى العيادة اليوم حتما لأجري لك فحوصات القلب...؟

قلت له وبجدية ونشاط:

- أنا لن أحس بأي ألم...؟

- للاطمئنان أكثر...

خرجت الكلمات من فمه مجهولة الاتجاه تبحث عن استقرار لها، ابتلع قطعة البسكوت وارتشف شيئا من العصير، نهض واقفا عندما صارت بجوارنا نادية قائلة:

- هه... دكتور كيف صحة عمي...؟

أجابها بصوت متقطع:

- جيدة عشرة على عشرة...

في حقيقتها لن تطمئن نادية لكلامه بل شردت بذهنها إلى أين لا اعرف، وتداركت صعوبة الموقف فنطقت بشيء من الاستسلام فقالت:

- مجرد تخطيط للقلب...

مضى على هذه الحادثة ثلاثة اشهر بأكملها وأنا لن أرى حديقتي بعدها فقد أصبحت طريح الفراش اثر جلطة أصابتني فأقعدتني، وشلّت حركتي نهائيا، دمعات نادية أراها كل يوم وهي تقول لي:

- يا حاج أنت رجل مؤمن فهذه حكمة الله وقضاؤه وقدره...
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي