فيلتمان يلوّح بـ «قرارات قاسية» إذا لم تدفع بيروت حصتها

المعارضة تتهم ميقاتي بـ «المناورة لتبرئة ذمته»: حكومته لن تموّل المحكمة و... لن يستقيل

تصغير
تكبير
| بيروت ـ «الراي» |

عادت مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من مسألة تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تثير جدلاً واسعاً في الوسط السياسي، ولكن هذه المرة على خلفية اقتراب هذا الاستحقاق من مقلب قد لا يبقى معه التفاعل السياسي والديبلوماسي حياله مجرد أقوال وتثبيت مواقف.

فعلى رغم الجمود السياسي الذي يسود الوضع الداخلي عشية بدء عطلة الاضحى المبارك ومع سفر الرئيس نجيب ميقاتي الى لندن، للقاء نظيره البريطاني ديفيد كاميرون وكبار المسؤولين بدت اوساط المعارضة وكأنها استعادت نبرة الشكوك القوية في حقيقة مواقف رئيس الحكومة واتجاهاته حيال بت مسألة التمويل الى حد ان مصادر بارزة في قوى 14 آذار بدأت تثير علامات استفهام كبرى حول ما تسميه مناورة مكشوفة سرعان ما ستظهر فصولها في وقت غير بعيد.

وقالت هذه المصادر لـ «الراي» ان ميقاتي يتلاعب بعامل الوقت ويتبع نهجاً ازدواجياً في التسويف في وقت تشير كل المعطيات الى ان «حزب الله» لن يقبل في النهاية بأي صورة من الصور بإمرار التمويل.

ولفتت المصادر نفسها الى ان الموقف الاخير الذي اطلقه ميقاتي عبر حديث ادلى به الى محطة الـ «بي. بي. سي» التلفزيونية البريطانية واعتبر فيه ان كلام الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول التمويل من جيوب خاصة يوحي بانه لا يعارض مبدأ التمويل، انما يعرض رئيس الحكومة شخصياً لمساءلة سياسية عن المعايير التي يتبعها في معالجة هذا الملف الحساس الذي يعرض لبنان لمواجهة مع المجتمع الدولي.

واذ وصفت مصادر المعارضة هذا الموقف بانه ينمّ عن «مناورة واضحة» هدفها كسب المزيد من الوقت والايحاء بان ميقاتي لا يشعر نفسه في موقف محرج، حذرت من ان منطقاً كهذا يترتب عليه مآخذ خارجية وداخلية قد لا يكون اقلها اتهامه بالتعامل مع احدى القضايا الاساسية التي تتعلق بمصالح الدولة بمنطق شخصي، اذ كان عليه ان يفضي فوراً وقطعياً الى امكان زجّ التمويل الخاص والشخصي المعني به هو شخصياً في اتفاق معقود بين لبنان والامم المتحدة، من جهة، وكذلك قطع دابر اي انحراف بهذا الملف في اتجاه تصويره كأنه قابل لمقايضات سياسية وشخصية بين اطراف الحكومة من جهة اخرى.

ورأت المصادر ان هذا المنحى في مجمله بات ينبئ بأمر اكيد هو عجز ميقاتي عن اقناع «حزب الله» وحلفائه بحتمية تمويل المحكمة، في حين تتنامى التحذيرات الدولية وكان آخرها لمساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان من عقوبات ومحاذير خطيرة سيواجهها لبنان في حال اخلاله بالتزامات التمويل. كما ان المصادر تعتبر ان ميقاتي يحاول من الان تبرئة ذمته في حال سقوط قرار التمويل في مجلس الوزراء، بحيث لا يقدم عندها على الاستقالة ويبرر ذلك بانه قام بما عليه ولكنه يرضح للتصويت.

وتقول المصادر ان العد العكسي لهذا الاستحقاق بلغ منتصف الطريق، ولم يعد في امكان ميقاتي التمادي طويلاً في مناورة كسب الوقت وثمة معطيات تتنامى حيال اعتبار نهاية الشهر الجاري سقفاً حاسماً لن يكون ممكناً بعده الا بتّ هذا الاستحقاق.

وكان ميقاتي حاول عشية وصوله الى لندن، وهي ثالث محطة دولية له منذ ترؤسه الحكومة، تدوير زوايا الموقف الذي عبّر عنه السيد نصر الله من تمويل المحكمة، فقال في حديثه التلفزيوني: «لم أستنتج أنه (نصر الله) قال لا للمحكمة» بل هو «ترك الأمر للمؤسسات الدستورية كي تأخذ دورها في هذا الموضوع»، مشيراً الى ان الامين العام لـ «حزب الله» قال «بالاحتكام الى مجلس الوزراء»، ومتسائلا «عندما يقال اذا اردتم التمويل فمن جيبكم الخاص، ألا يعني ذلك القبول بمبدأ التمويل؟»، وموضحاً انه سيطرح هذا الامر «في الوقت المناسب على المؤسسات الدستورية».

واذ لفت ميقاتي الى انه «لم يقبل ان يكون رئيسا للحكومة كي يستقيل»، أعلن انه اذا لم ينجح في تأمين تمويل المحكمة «سأتخذ الموقف المناسب في حينه».

ولم يكد ان يجفّ حبر موقف ميقاتي، الذي سيحضر ملف المحكمة الدولية وتمويلها خلال لقاءاته في لندن، حتى أطلّ الديبلوماسي الاميركي الخبير في الشأن اللبناني جيفري فيلتمان والذي واكب مرحلة «ثورة الأرز» (العام 2005) عبر شاشة «العربية» محذراً بعيداً من «القفازات الديبلوماسية» من «ان قرارات قاسية ستُتخذ بحقّ لبنان اذا لم يلتزم بدفع حصته من تمويل المحكمة الدولية»، مضيفاً: «نتوقع من لبنان تنفيذ التزاماته الدولية بشكل كامل لان المحكمة انشئت بطلب من الحكومة اللبنانية واللبنانيين»، ومنبهاً «من عواقب في حال إخفاق لبنان في دفع حصته»، موضحاً «ان تعبير «يجب علينا» يشمل التعامل الثنائي مع الولايات المتحدة وكذلك في علاقات دول اخرى مع بيروت».

واستدرجت مواقف ميقاتي كما فيلتمان تعليقاً من مصادر في «حزب الله» قالت: «لم نقرأ كلام ميقاتي سلباً، وكأنه يقول ان هذا الأمر (تمويل المحكمة) يناقَش في حينه في المؤسسات ليتخذ القرار المناسب، وعلى الجميع ان يحترموا النتائج التي سيتم التوصّل اليها».

واعتبرت المصادر «ان الموقف من تمويل المحكمة ليس نهاية العالم أكان بالنسبة إلينا او الى ميقاتي»، مشددة على «ان أهمّ ما في كلام رئيس الحكومة هو تأكيده أنه لن يستقيل».

ورداً على كلام فيلتمان اشارت مصادر «حزب الله» الى «اننا نعرف رأي الإدارة الأميركية، وهذه الحماسة للعدالة معروفة فهي حماسة للاقتصاص من المقاومة وخصوم أميركا»، مضيفة: «تعوّدنا على الكثير من هذا التهويل وتعوّدنا ايضاً على الضغوط الحقيقية، فمَن لم يركع امام الضغوط والحروب ومحاولات ليّ الذراع لن يلتفت الى تهويل كلامي».

من جهته، تمنى الوزير السابق وئام وهاب (القريب من سورية) بعد لقائه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير أسعد حردان «ألا يكون الرئيس ميقاتي وجد في الكلام عن التمويل من جيبه مخرجاً في هذا الأمر، لأنه إذا كان يريد تزكية أمواله فالأفضل أن يزكّيها لفقراء طرابلس ولا سيما في هذا العيد»، مضيفاً: «لن يتم تمويل المحكمة ولن نسمح باتخاذ أي إجراءات ضد بعض اللبنانيين، ويكفي تهويلاً في هذا الأمر، وقلنا سابقاً ان هذه المحكمة إسرائيلية، لكن المهم أن يرى البعض ـ ممّن هم متحمّسون للمحكمة أكثر من أصحابها ـ أهمية هذا الدور».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي