قال إن التظاهرات «آخذة في التلاشي» وأن حكومته «لم تتعامل معها بعناد... بل ردت بإصلاحات»
الأسد: سورية «خط صدع»... العبث به سيولد زلزالاً يحرق المنطقة
الرئيس السوري بشار الأسد
وصف الرئيس السوري بشار الأسد بلاده بأنها «المحور الرئيسي» و«خط الصدع» في المنطقة محذراً من ان أي عبث بهذا الخط سيؤدي إلى «زلزال» من شأنه أن
«يحرق المنطقة بأسرها»، ويخلق العشرات من أفغانستان فيها.
وفي الآتي تنشر «الراي» بتصرف مقابلة مع الأسد أجراها الصحافي في «صنداي تليغراف» البريطانية، اندرو غليغان مع ما ضمنه اياها من آراء وأوصاف حول ما سمعه وشاهده خلال المقابلة وفي رحلته إليها:
عندما يذهب المرء لمقابلة حاكم عربي، فإنه يتوقع أن يرى قصوراً شاسعة وفخمة، وكتائب من الحراس، ودائرة تلو الأخرى من نقاط التفتيش الأمنية، وإجراءات بروتوكولية هائلة. يتوقع المرء أن يظل منتظراً ساعات في مقابل الحصول على دقائق قليلة متكلفة في قاعة استقبال براقة، محاطاً بمسؤولين ومرافقين وكاميرات التلفزيون الرسمي للدولة.
يتوقع المرء حواراً من طرف واحد، وليس من طرفين، لكن الرئيس السوري بشار الأسد كان مختلفاً الى حد ملموس.
فالمرأة الشابة التي رتبت اللقاء اصطحبت كاتب هذه السطور في سيارتها. وانطلقنا بالسيارة لمدة 10 دقائق ثم انعطفنا الى ما بدا انه طريق جانبي لا يستخدم إلا نادراً عبر أشجار. لم تكن هناك أي حراسة أمنية مرئية، ولا حتى بوابة، بل فقط رجل كان مرتدياً ملابس تشبه ملابس حراس البنايات وواقفاً الى جوار كوخ. وتوجهنا بالسيارة مباشرة الى بناية مؤلفة من طابق واحد وفي حجم منزل ريفي (بانغلو) ضخم نسبياً. وكان الرئيس منتظراً في صالة ذلك المنزل ليقابلنا.
ثم جلسنا، ثلاثتنا فقط، على أرائك جلدية في غرفة مكتب الأسد الصغيرة. كان الرئيس مرتدياً الجينز، ذلك كان يوم جمعة، وهو اليوم الرئيسي للتظاهرات في سورية، وتحديداً أول يوم جمعة عقب تأكيد خبر مقتل العقيد الليبي معمر القذافي. لكن الرجل الذي يقبع في قلب كل تلك المعمعة (بشار الأسد) والذي يريد المتظاهرون تدميره، بدا مسترخياً الى حد كبير.
وقال الأسد انه يعتقد ان التظاهرات آخذة في التلاشي تدريجيا. وأضاف انه بعد انطلاق تلك التظاهرات في مارس (الفائت) «لم نسلك طريق التعامل الحكومي العنيد، فبعد مرور 6 أيام على بدء تلك التظاهرات دشنت عملية الاصلاح، كان الناس متشككين في ان تلك الاصلاحات كانت مجرد مخدر لتهدئة الناس، لكن عندما بدأنا الاعلان عن الاصلاحات بدأت المشاكل في التناقص وعند ذلك بدأت موجة التظاهرات تنحسر، وبدأ الناس يؤيدون الحكومة، (لكن) كون المرء في المنتصف هو أمر صعب جدا لاسيما عندما يكون لدينا مثل هذا الاستقطاب القوي».
ورأى ان تلك المشاكل ليست سياسية بشكل أساسي، قائلا: «المسألة تتعلق بالمجتمع (السوري) برمته، وبتطور ذلك المجتمع، لقد اندلعت مشاكل عدة في شكل ازمة واحدة، نحن تبنينا الاقتصاد الحر، وعندما تفتح ابواب اقتصادك دون ان تجهز نفسك جيداً، فانك بذلك تفتح ثغرات وفجوات بين الطبقات الاجتماعية، وإذا لم يكن لديك النموذج الاقتصادي الصحيح، فلن يكون باستطاعتك ان تتجاوز المشكلة».
وبالنسبة الى منتقدي الاسد - الذين تزايدوا على نحو مضطرد على مدار الاشهر السبعة الماضية ليضموا ليس فقط المتظاهرين، بل ايضا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والجامعة العربية أخيرا - فإن مثل هذه التصريحات غارقة في الوهم.
وتعبيرا عن ذلك قال أحد قادة التظاهرات في مدينة حمص التي تتركز فيها معارضة مكثفة: «انه (الأسد) دأب على التحدث عن الاصلاح منذ ان أتى الى سدة الحكم (في العام 2000)، لكن لم يحصل أي شيء جدي مطلقا حتى الآن، فقتل الناس ليس عملا اصلاحيا، نحن لا نطالب باصلاحات اقتصادية ولا حتى سياسية في ظل حكم الأسد، بل نطالب برحيل هذا الرئيس الملطخة يداه بالدماء ونطالب بانتخابات حرة».
وبعد انحسارها لبعض الوقت، بدت المعارضة (السورية) وكأنها قد استمدت طاقة وعنفوانا من مقتل العقيد الليبي معمر القذافي ويقول قادة تلك المعارضة ان حصيلة قتلى تظاهرات الجمعة الفائتة، والتي بلغت 40 قتيلا، كانت الاعلى منذ ابريل الفائت، ووفقا لتقديرات الامم المتحدة، فإن 3 آلاف متظاهر قتلوا على أيدي قوات الامن التابعة للأسد منذ مارس المنصرم، وهو الرقم الذي يشتمل على 187 طفلا، وقبل يوم واحد على اعداد هذا التقرير، ذكرت تقارير اخبارية ان الجيش السوري قام بقصف مناطق مدنية في حمص.
ومع ذلك، فإنه مازال لدى الأسد عدد من الاوراق التي لم يمتلكها يوما العقيد الليبي الذي قُتل قبل فترة قصيرة، فعلى عكس ليبيا، يمكن القول ان سورية ليست متجانسة لا دينيا ولا عرقيا. وحاليا، يبدو النظام السوري قادرا على اقناع معظم أفراد الاقليتين المسيحية والعلوية في سورية الى جانب البعض من أبناء الاغلبية السنية - بأنه هو الخيار الافضل بالنسبة إليهم.
وفي ليلة الخميس الفائتة - وهي بداية عطلة نهاية الاسبوع عند المسلمين - كانت مدينة دمشق القديمة تعج بالناس الذين كانوا يقضون أوقاتا طيبة، كان الرجال والنساء يختلطون بحرية، وكانت المشروبات الكحولية متاحة على نطاق واسع، رأيت رجلي دين ارثوذوكسيين مسيحيين مرتديين ملابسهما الطويلة بينما كانا يسيران معا عبر الازقة المزدحمة، ورأيت مزارات دينية مسيحية صغيرة متناثرة في الزوايا الضيقة، والواقع ان النظام السوري يبث الى الناس بنجاح رسالة مفادها ان كل هذه الامور معرضة للخطر، وتعبيرا عن ذلك قال أحد المحتفلين: «أنا شخصيا لا أحب الأسد، لكنني قلق من ان ما قد يأتي بعده قد يكون أسوأ».
والواقع ان الأسد بدا أبعد ما يكون عن ديكتاتور عربي سليط اللسان على غرار القذافي مثلا، فلغته الانكليزية ممتازة، إذ انه أقام لمدة سنتين في لندن حيث التقى زوجته، وخلال حوارنا، كان الأسد منفتحا، بل وصريحا في بعض الاحيان، إذ أقر بأن هناك «أخطاء كثيرة» تم ارتكابها من جانب قوات الامن (السورية) - على الرغم من ان لا أحد، على ما يبدو، قد تمت مساءلته عن تلك الاخطاء، كما انه (الأسد) على استعداد لالقاء وقبول النكات ولأنه كان رئيسا في السابق للجمعية السورية للحواسيب، فإنه يلجأ أحيانا الى شرح وتفسير الامور مستخدما مصطلحات كمبيوترية.
فقد قال ان المقارنة بين القيادة السورية وبين قيادة أي دولة غربية هي مثل المقارنة بين جهاز كمبيوتر ماكنتوش وبين جهاز كمبيوتر شخصي، وأضاف: «فكلا الجهازين يقوم بالوظيفة ذاتها، لكن كل واحد منهما لا يفهم الآخر، لذا لابد من الترجمة، فإذا أردت ان تقوم بتحليلي باعتباري كيانا شرقيا، فلا ينبغي ان تفعل ذلك من خلال نظام التشغيل الغربي او من خلال الثقافة الغربية، ينبغي عليك ان «تترجم» وفقا لنظام التشغيل الخاص بي، او وفقا للثقافة الخاصة بي»، وعند ذلك قال كاتب هذه السطور للرئيس السوري: «والذي يتكلم الآن هو الطالب المجتهد الذي بداخلك، فضحك بصوت مرتفع».
الاسد يعيش في منزل صغير في شارع عادي، وان كان شارعا يخضع إلى الحراسة، وهو يعتقد ان نمط حياته المتواضع نسبيا هو بمثابة احد عناصر جاذبيته الشعبية، وقال: «هناك شرعية مستقاة من الانتخابات، وهناك الشرعية المستقاة من القبول الشعبي، فاذا لم يكن لديك قبول شعبي - سواء كنت منتخبا ام لا - فانه سيتم حتما الاطاحة بك، ولتنظر إلى الانقلابات التي حصلت في منطقتنا».
واضاف: «المكون الاول من مكونات الشرعية المستقاة من القبول الشعبي يتمثل في حياتك الشخصية، فطريقة حياتك مهمة جدا (في هذا الجانب)، وانا اعيش حياة عادية، إذ اقود سيارتي بنفسي ولنا جيران واقوم بتوصيل ابنائي إلى مدارسهم، ولهذا انا اتمتع بقبول شعبي. من المهم جدا ان اعيش بهذه الطريقة - هذا هو الاسلوب السوري في المعيشة».
وصحيح ان هذا الكلام لا يرتقي كثيرا في مقابل كومات الجثث في كل من حمص وحماة وغيرهما، لكن من خلال حوارات مع بعض سكان دمشق على الاقل يمكن القول ان بشار الاسد يبدو على الاقل متمتعا بتوقير واحترام شعبه اكثر من حكام عرب آخرين كثيرين.
والسؤال هو: إلى اين تتجه سورية الآن؟ يمكن القول ان حمص - على الاقل - ربما تكون قد اصبحت في طريقها إلى الخروج عن سيطرة النظام.
ويبدو رد فعل النظام السوري ازاء هذا الخطر ذا شقين، ففي الاسبوع الفائت، سمح لجماعات معارضة داخلية تتخذ من دمشق مقرا لها ان تعقد مؤتمرا صحافيا في العاصمة، ووجه المعارضون المشاركون في المؤتمر انتقادات إلى الحكومة، داعين إلى اطلاق سراح السجناء السياسيين وانهاء اعمال العنف التي تنفذها قوات الامن - لكنهم هاجموا ايضا اي شكل من اشكال التدخل الاجنبي وطالبوا بضرورة ايجاد «حل داخلي فقط» للازمة.
التكتيك الآخر الذي يتبناه النظام السوري يتمثل في توجيه تحذيرات قوية إلى الغرب بشأن مخاطر التورط في مكان معقد كهذا.
ووفقا لما قاله الرئيس الاسد لصحيفة «صنداي تليغراف» فإن «سورية هي المحور الرئيسي الآن في هذه المنطقة. انها خط الصدع، واذا عبثتم بالارضية فستتسببون في احداث زلزال... هل ترغبون في رؤية افغانستان اخرى، او العشرات من افغانستان؟
والواقع ان تلك المخاوف واقعية، وهو ما قد يفسر لماذا لم يبد الغرب حتى الآن اي حماس للخيار العسكري (ضد النظام السوري)، او حتى للمجلس الوطني السوري الذي لم تعترف به سوى دولة واحدة حتى الآن وهي ليبيا.
وقال الاسد ان «اي مشكلة في سورية ستحرق المنطقة بأسرها، إذا كان المشروع هو تقسيم سورية فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها».
وأكد انه يدرك ان القوى الغربية «سوف تكثف الضغوط حتما» على نظامه، ولكنه شدد على ان «سورية مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن، التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف».
ومع الاقرار بان قواته الامنية ارتكبت «اخطاء كثيرة» في بداية الحركة الاحتجاجية ضد نظامه، فانه شدد بالمقابل على انها لا تستهدف اليوم الا «الارهابيين». وقال «لدينا عدد ضئيل جدا من رجال الشرطة، وحده الجيش مدرب للتصدي لتنظيم القاعدة».
واضاف «اذا ارسلتم جيشكم إلى الشوارع فإن الامر عينه قد يحدث، الان، نحن نقاتل الارهابيين فقط. لهذا السبب خفت المعارك كثيرا».
وشدد الاسد على ان «وتيرة الاصلاح ليست بطيئة، الرؤية يجب ان تكون ناضجة. يتطلب الامر 15 ثانية فقط لتوقيع قانون ولكن إذا لم يكن مناسبا لمجتمعك فسيؤدي إلى انقسام. هذا مجتمع معقد جدا».
وأكد ان ما تشهده سورية اليوم هو «صراع بين الاسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)»، مضيفا «نحن نقاتل «الاخوان المسلمين» منذ خمسينات القرن الماضي ومازلنا نقاتلهم».
«يحرق المنطقة بأسرها»، ويخلق العشرات من أفغانستان فيها.
وفي الآتي تنشر «الراي» بتصرف مقابلة مع الأسد أجراها الصحافي في «صنداي تليغراف» البريطانية، اندرو غليغان مع ما ضمنه اياها من آراء وأوصاف حول ما سمعه وشاهده خلال المقابلة وفي رحلته إليها:
عندما يذهب المرء لمقابلة حاكم عربي، فإنه يتوقع أن يرى قصوراً شاسعة وفخمة، وكتائب من الحراس، ودائرة تلو الأخرى من نقاط التفتيش الأمنية، وإجراءات بروتوكولية هائلة. يتوقع المرء أن يظل منتظراً ساعات في مقابل الحصول على دقائق قليلة متكلفة في قاعة استقبال براقة، محاطاً بمسؤولين ومرافقين وكاميرات التلفزيون الرسمي للدولة.
يتوقع المرء حواراً من طرف واحد، وليس من طرفين، لكن الرئيس السوري بشار الأسد كان مختلفاً الى حد ملموس.
فالمرأة الشابة التي رتبت اللقاء اصطحبت كاتب هذه السطور في سيارتها. وانطلقنا بالسيارة لمدة 10 دقائق ثم انعطفنا الى ما بدا انه طريق جانبي لا يستخدم إلا نادراً عبر أشجار. لم تكن هناك أي حراسة أمنية مرئية، ولا حتى بوابة، بل فقط رجل كان مرتدياً ملابس تشبه ملابس حراس البنايات وواقفاً الى جوار كوخ. وتوجهنا بالسيارة مباشرة الى بناية مؤلفة من طابق واحد وفي حجم منزل ريفي (بانغلو) ضخم نسبياً. وكان الرئيس منتظراً في صالة ذلك المنزل ليقابلنا.
ثم جلسنا، ثلاثتنا فقط، على أرائك جلدية في غرفة مكتب الأسد الصغيرة. كان الرئيس مرتدياً الجينز، ذلك كان يوم جمعة، وهو اليوم الرئيسي للتظاهرات في سورية، وتحديداً أول يوم جمعة عقب تأكيد خبر مقتل العقيد الليبي معمر القذافي. لكن الرجل الذي يقبع في قلب كل تلك المعمعة (بشار الأسد) والذي يريد المتظاهرون تدميره، بدا مسترخياً الى حد كبير.
وقال الأسد انه يعتقد ان التظاهرات آخذة في التلاشي تدريجيا. وأضاف انه بعد انطلاق تلك التظاهرات في مارس (الفائت) «لم نسلك طريق التعامل الحكومي العنيد، فبعد مرور 6 أيام على بدء تلك التظاهرات دشنت عملية الاصلاح، كان الناس متشككين في ان تلك الاصلاحات كانت مجرد مخدر لتهدئة الناس، لكن عندما بدأنا الاعلان عن الاصلاحات بدأت المشاكل في التناقص وعند ذلك بدأت موجة التظاهرات تنحسر، وبدأ الناس يؤيدون الحكومة، (لكن) كون المرء في المنتصف هو أمر صعب جدا لاسيما عندما يكون لدينا مثل هذا الاستقطاب القوي».
ورأى ان تلك المشاكل ليست سياسية بشكل أساسي، قائلا: «المسألة تتعلق بالمجتمع (السوري) برمته، وبتطور ذلك المجتمع، لقد اندلعت مشاكل عدة في شكل ازمة واحدة، نحن تبنينا الاقتصاد الحر، وعندما تفتح ابواب اقتصادك دون ان تجهز نفسك جيداً، فانك بذلك تفتح ثغرات وفجوات بين الطبقات الاجتماعية، وإذا لم يكن لديك النموذج الاقتصادي الصحيح، فلن يكون باستطاعتك ان تتجاوز المشكلة».
وبالنسبة الى منتقدي الاسد - الذين تزايدوا على نحو مضطرد على مدار الاشهر السبعة الماضية ليضموا ليس فقط المتظاهرين، بل ايضا بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والجامعة العربية أخيرا - فإن مثل هذه التصريحات غارقة في الوهم.
وتعبيرا عن ذلك قال أحد قادة التظاهرات في مدينة حمص التي تتركز فيها معارضة مكثفة: «انه (الأسد) دأب على التحدث عن الاصلاح منذ ان أتى الى سدة الحكم (في العام 2000)، لكن لم يحصل أي شيء جدي مطلقا حتى الآن، فقتل الناس ليس عملا اصلاحيا، نحن لا نطالب باصلاحات اقتصادية ولا حتى سياسية في ظل حكم الأسد، بل نطالب برحيل هذا الرئيس الملطخة يداه بالدماء ونطالب بانتخابات حرة».
وبعد انحسارها لبعض الوقت، بدت المعارضة (السورية) وكأنها قد استمدت طاقة وعنفوانا من مقتل العقيد الليبي معمر القذافي ويقول قادة تلك المعارضة ان حصيلة قتلى تظاهرات الجمعة الفائتة، والتي بلغت 40 قتيلا، كانت الاعلى منذ ابريل الفائت، ووفقا لتقديرات الامم المتحدة، فإن 3 آلاف متظاهر قتلوا على أيدي قوات الامن التابعة للأسد منذ مارس المنصرم، وهو الرقم الذي يشتمل على 187 طفلا، وقبل يوم واحد على اعداد هذا التقرير، ذكرت تقارير اخبارية ان الجيش السوري قام بقصف مناطق مدنية في حمص.
ومع ذلك، فإنه مازال لدى الأسد عدد من الاوراق التي لم يمتلكها يوما العقيد الليبي الذي قُتل قبل فترة قصيرة، فعلى عكس ليبيا، يمكن القول ان سورية ليست متجانسة لا دينيا ولا عرقيا. وحاليا، يبدو النظام السوري قادرا على اقناع معظم أفراد الاقليتين المسيحية والعلوية في سورية الى جانب البعض من أبناء الاغلبية السنية - بأنه هو الخيار الافضل بالنسبة إليهم.
وفي ليلة الخميس الفائتة - وهي بداية عطلة نهاية الاسبوع عند المسلمين - كانت مدينة دمشق القديمة تعج بالناس الذين كانوا يقضون أوقاتا طيبة، كان الرجال والنساء يختلطون بحرية، وكانت المشروبات الكحولية متاحة على نطاق واسع، رأيت رجلي دين ارثوذوكسيين مسيحيين مرتديين ملابسهما الطويلة بينما كانا يسيران معا عبر الازقة المزدحمة، ورأيت مزارات دينية مسيحية صغيرة متناثرة في الزوايا الضيقة، والواقع ان النظام السوري يبث الى الناس بنجاح رسالة مفادها ان كل هذه الامور معرضة للخطر، وتعبيرا عن ذلك قال أحد المحتفلين: «أنا شخصيا لا أحب الأسد، لكنني قلق من ان ما قد يأتي بعده قد يكون أسوأ».
والواقع ان الأسد بدا أبعد ما يكون عن ديكتاتور عربي سليط اللسان على غرار القذافي مثلا، فلغته الانكليزية ممتازة، إذ انه أقام لمدة سنتين في لندن حيث التقى زوجته، وخلال حوارنا، كان الأسد منفتحا، بل وصريحا في بعض الاحيان، إذ أقر بأن هناك «أخطاء كثيرة» تم ارتكابها من جانب قوات الامن (السورية) - على الرغم من ان لا أحد، على ما يبدو، قد تمت مساءلته عن تلك الاخطاء، كما انه (الأسد) على استعداد لالقاء وقبول النكات ولأنه كان رئيسا في السابق للجمعية السورية للحواسيب، فإنه يلجأ أحيانا الى شرح وتفسير الامور مستخدما مصطلحات كمبيوترية.
فقد قال ان المقارنة بين القيادة السورية وبين قيادة أي دولة غربية هي مثل المقارنة بين جهاز كمبيوتر ماكنتوش وبين جهاز كمبيوتر شخصي، وأضاف: «فكلا الجهازين يقوم بالوظيفة ذاتها، لكن كل واحد منهما لا يفهم الآخر، لذا لابد من الترجمة، فإذا أردت ان تقوم بتحليلي باعتباري كيانا شرقيا، فلا ينبغي ان تفعل ذلك من خلال نظام التشغيل الغربي او من خلال الثقافة الغربية، ينبغي عليك ان «تترجم» وفقا لنظام التشغيل الخاص بي، او وفقا للثقافة الخاصة بي»، وعند ذلك قال كاتب هذه السطور للرئيس السوري: «والذي يتكلم الآن هو الطالب المجتهد الذي بداخلك، فضحك بصوت مرتفع».
الاسد يعيش في منزل صغير في شارع عادي، وان كان شارعا يخضع إلى الحراسة، وهو يعتقد ان نمط حياته المتواضع نسبيا هو بمثابة احد عناصر جاذبيته الشعبية، وقال: «هناك شرعية مستقاة من الانتخابات، وهناك الشرعية المستقاة من القبول الشعبي، فاذا لم يكن لديك قبول شعبي - سواء كنت منتخبا ام لا - فانه سيتم حتما الاطاحة بك، ولتنظر إلى الانقلابات التي حصلت في منطقتنا».
واضاف: «المكون الاول من مكونات الشرعية المستقاة من القبول الشعبي يتمثل في حياتك الشخصية، فطريقة حياتك مهمة جدا (في هذا الجانب)، وانا اعيش حياة عادية، إذ اقود سيارتي بنفسي ولنا جيران واقوم بتوصيل ابنائي إلى مدارسهم، ولهذا انا اتمتع بقبول شعبي. من المهم جدا ان اعيش بهذه الطريقة - هذا هو الاسلوب السوري في المعيشة».
وصحيح ان هذا الكلام لا يرتقي كثيرا في مقابل كومات الجثث في كل من حمص وحماة وغيرهما، لكن من خلال حوارات مع بعض سكان دمشق على الاقل يمكن القول ان بشار الاسد يبدو على الاقل متمتعا بتوقير واحترام شعبه اكثر من حكام عرب آخرين كثيرين.
والسؤال هو: إلى اين تتجه سورية الآن؟ يمكن القول ان حمص - على الاقل - ربما تكون قد اصبحت في طريقها إلى الخروج عن سيطرة النظام.
ويبدو رد فعل النظام السوري ازاء هذا الخطر ذا شقين، ففي الاسبوع الفائت، سمح لجماعات معارضة داخلية تتخذ من دمشق مقرا لها ان تعقد مؤتمرا صحافيا في العاصمة، ووجه المعارضون المشاركون في المؤتمر انتقادات إلى الحكومة، داعين إلى اطلاق سراح السجناء السياسيين وانهاء اعمال العنف التي تنفذها قوات الامن - لكنهم هاجموا ايضا اي شكل من اشكال التدخل الاجنبي وطالبوا بضرورة ايجاد «حل داخلي فقط» للازمة.
التكتيك الآخر الذي يتبناه النظام السوري يتمثل في توجيه تحذيرات قوية إلى الغرب بشأن مخاطر التورط في مكان معقد كهذا.
ووفقا لما قاله الرئيس الاسد لصحيفة «صنداي تليغراف» فإن «سورية هي المحور الرئيسي الآن في هذه المنطقة. انها خط الصدع، واذا عبثتم بالارضية فستتسببون في احداث زلزال... هل ترغبون في رؤية افغانستان اخرى، او العشرات من افغانستان؟
والواقع ان تلك المخاوف واقعية، وهو ما قد يفسر لماذا لم يبد الغرب حتى الآن اي حماس للخيار العسكري (ضد النظام السوري)، او حتى للمجلس الوطني السوري الذي لم تعترف به سوى دولة واحدة حتى الآن وهي ليبيا.
وقال الاسد ان «اي مشكلة في سورية ستحرق المنطقة بأسرها، إذا كان المشروع هو تقسيم سورية فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها».
وأكد انه يدرك ان القوى الغربية «سوف تكثف الضغوط حتما» على نظامه، ولكنه شدد على ان «سورية مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن، التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف».
ومع الاقرار بان قواته الامنية ارتكبت «اخطاء كثيرة» في بداية الحركة الاحتجاجية ضد نظامه، فانه شدد بالمقابل على انها لا تستهدف اليوم الا «الارهابيين». وقال «لدينا عدد ضئيل جدا من رجال الشرطة، وحده الجيش مدرب للتصدي لتنظيم القاعدة».
واضاف «اذا ارسلتم جيشكم إلى الشوارع فإن الامر عينه قد يحدث، الان، نحن نقاتل الارهابيين فقط. لهذا السبب خفت المعارك كثيرا».
وشدد الاسد على ان «وتيرة الاصلاح ليست بطيئة، الرؤية يجب ان تكون ناضجة. يتطلب الامر 15 ثانية فقط لتوقيع قانون ولكن إذا لم يكن مناسبا لمجتمعك فسيؤدي إلى انقسام. هذا مجتمع معقد جدا».
وأكد ان ما تشهده سورية اليوم هو «صراع بين الاسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)»، مضيفا «نحن نقاتل «الاخوان المسلمين» منذ خمسينات القرن الماضي ومازلنا نقاتلهم».