هكذا كانت نهاية القذافي مأسوية، بعد 42 سنة من الحكم الشمولي المطلق، والتي توجها بلقب ملك ملوك أفريقيا، والذي لم يشفع له أمام ثورة عارمة من شعب غاضب، كان يصفهم بالجرذان والحشاشين و(المقمْلين)، وإذ به كان يصف نفسه تماما، فكلام الإنسان انعكاس لما يؤمن به، وما يراه من حوله في حياته.
انتهت أسطورة ملك ملوك أفريقيا بعد ثورة مسلحة استمرت ثمانية أشهر، توجها ثوار ليبيا بأسره في ماسورة، بعد أن كان يخاطبهم من بلكونة باب العزيزية المحصنة، ويصف شعبه بأقذر الأوصاف، ويدعي زورا وبهتانا أن الملايين يقفون خلفه وإلى صفه، ولم يستمر في الدفاع عنه سوى أولاده والمقربين من المجرمين من أصحاب المصلحة، وحفنة من المرتزقة وشذاذ الآفاق.
طوى التاريخ صفحات سوداء جرداء عاشتها ليبيا، ذاق أهلها خلالها الويلات من حاكم أهبل، حرّف القرآن الكريم وأنكر السنّة المطهرة، وأتى بكتاب أسماه الكتاب الأخضر ليكون منهجا للناس عوضا عن القرآن الكريم وسنّة محمد صلى الله عليه وسلم، وحاول نشره بكل ما استطاع من قوة، ولكنه لم يستطع أن يطفئ نور الله.
حاول القذافي أن يدفع الأموال التي سرقها من قوت الشعب الذي استضعفه طوال 42 سنة لتحميه من قدر الله، ولكنه لم يستطع، وقضى آخر أيامه متخفيا من مخبأ إلى مخبأ، ومن زنقة إلى ماسورة مجاري أمطار، ولكنها لم تكن لتحميه من قدر الله الذي لا يرده بشر مهما امتلك من كنوز الدنيا.
لقد ذكرني القذافي وموتته الشنيعة بفرعون موسى، ففرعون رأى انفلاق البحر، وتحول قاع البحر إلى أرض يابسة، وهي آية عظيمة على صدق موسى، ولكنه لم يتعظ، ولم يتراجع عن غيه وجبروته وطغيانه، وظل يلاحق موسى وقومه الذي عبر البحر، بعد انشقاقه بأمر الله، وهكذا هم الطغاة يعميهم الله عن الآيات الواضحة، ويقعون في أخطاء قاتلة، يستطيع أن يميزها ويتعرف عليها البسطاء، فتكون فيها نهايتهم.
قضى القذافي، ولا أعلم حتى هذه اللحظة إن كانت نهايته على يد شعبه الثائر أم من بندقية قناص محترف، ولكنها العدالة الإلهية، فكما تدين تدان، فالقذافي مات ولم تذرف عليه دمعة، ولم يبكه أحد، حسب علمي، بل بكى شعبه المظلوم فرحا بذلك، فشتان بين حاكم يُحْزَنُ لفقده، وبين حاكم يطارده شعبه زنقة زنقة ليقتص منه.
مشاركة عزاء
أتقدم للملك عبدالله بن عبدالعزيز ولعموم الشعب السعودي العزيز بخالص العزاء لوفاة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله وغفر له وجعل الجنة مثوانا ومثواه.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».
د. عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh