د. وائل الحساوي / نسمات / حلم النائب

تصغير
تكبير

نشعر بالضجر من كثرة تردادنا لقضايانا الداخلية والكلام عنها ما بين مؤيد ومعارض الى درجة أن الإنسان يشعر بأنه لو زاد قراءته في اليوم الواحد على الثلاث صحف التي يقرأها فإنه سيشعر بالغثيان من كثرة ترداد نفس العناوين ونفس الأخبار التي لا تستحق ذلك الاهتمام.

لو تكلم رئيس مجلس الأمة بكلمة ما، مثلاً: «حافظوا على وحدة الوطن» لرأيت نشرات أخبار الكويت التلفزيونية والاذاعية وقناة «الراي» وقناة «الوطن» ترددها مراراً وتكراراً، ثم في الصباح نجد احدى عشرة جريدة على غلافها الرئيسي مع صورة رئيس المجلس مبتسماً يردد تلك العبارة.

وليت الأمر اقتصر على كلمة مهمة لشخصية مهمة، ولكن تحدث نائب فاضل عن حلم حلمه ذات ليلة فإذا بجميع الصحف تضعه على صفحاتها الأولى وكأنه حلم الأنبياء، وتحدثت متنبئة عن هجران أبنائها لها فتكرر الخبر مرات عديدة في وسائل الاعلام وأجروا لها المقابلات.

لقد ذكر الأديب الراحل عبدالله القصيمي سابقاً بأن العرب يمثلون «ظاهرة صوتية» فإذا بالكويتيين يتبوأون قمة تلك الظاهرة ويشغلون أوقاتهم ليلاً ونهاراً بكلمة قالها فلان أو ذكرها علاَّن.

ولحسن حظ نواب مجلس الأمة فهم قد أدركوا حاجتنا للكلام وحاجتهم للبروز، فأصبح كل نائب منهم بعدما يختفي عن الأنظار أشهراً طويلة يبرز فجأة بتصريح مدوّ عن استجواب الوزير الفلاني إن لم يطبق القانون، فيرتجف البلد وتهتز الأركان ويتراكض الناس للاستماع الى ذلك النائب المغوار كيف يهدد الوزير، ومن يدري فقد يكون ذلك اتفاقاً بين النائب والوزير لزيادة شعبية كل منهما.

لكن هل تظنون أننا وحدنا نهتز لتوافه الأمور؟! إذاً تابعوا ما جرى قبل أيام في الإعلام البريطاني حول قضية السروال الداخلي، عندما بعث المعلق التلفزيوني «جرمي باكسمن» رسالة الى مدير مخازن ماركس أندسبنسر المشهورة يشكو فيها من تدهور مستوى اللباس الداخلي لهذه الشركة وأنها لا تعطي الدعم المطلوب، فرد مدير الشركة بأن لباسهم مازال كما كان عليه من الجودة، ثم انضم محرر جريدة «الاندبندنت» مخاطباً النجم التلفزيوني بأن مشكلة اللباس الداخلي قد تكون مشكلتك أنت وحدك بسبب تقدم السن واقترابك من الشيخوخة وأنك قد تحتاج لدعم أكبر للباسك الداخلي.

ثم راحت الصحف البريطانية تغص برسائل القراء والقارئات وتعليقاتهم، بل خصصت صحيفتان كاملتان تغطية شاملة لتاريخ لبس اللباس وكيف أن الملك توت في مصر أوصى بدفن عشرة لباسات معه بعد موته، وأن الملك هنري الثامن كان يلبس لباساً فضفاضاً لأنه كان مصاباً بالسلفس نتيجة علاقته بالغانيات (نقلاً عن خالد القشطيني في جريدة الشرق الأوسط).

إذاً فالسؤال المحير هو: هل مشكلتنا تكمن في تفاهة الأمور التي نتداولها مقابل الواقع الذي نعيشه في العالم أم أن الناس لا يحبون التركيز على القضايا المهمة لأنها تشكل مصدر ازعاج لهم، أم أن اعلامنا قد توسع درجات كبيرة أكبر من قدراتنا، لذا فإننا نبحث عن أي شيء لنملأ بطنه؟!


د. وائل الحساوي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي