تحدثنا وتحدثنا وأكثرنا الحديث عن زيادة الرواتب واسقاط القروض واقرار الكوادر وارتفاع البورصة، ونقرأ كل يوم عن أرباح الشركة الفلانية وتوزيع أرباح البنك الفلاني وغيرها من الأمور، حتى أصبحنا نتلذذ بمجرد الحديث عن تلك القضايا، وتزداد عندنا نزعة الحصول على المزيد والغضب لفوات بعض تلك الفرص.
لكن في المقابل لا تكاد تجد من يتحدث عن زيادة انتاج الفرد أو الابداع في العمل أو التشجيع على الاختراع، أو حتى مقارنة أنفسنا بالدول التي أخذت تتوسع في الأخذ بأسباب النهضة التكنولوجية أو الاتقان في العمل، بل إن قلوبنا قد تعلقت بزيادة أسعار النفط والفائض المالي للدولة والخير الذي ينتظرنا من جراء ذلك، والنائب الذي يعدنا بالمزيد من الرواتب والتسهيلات هو حبيب قلوبنا.
ألا تشعرون بأن مثل هذا النمط من الحياة الذي نكاد نغرق فيه هذه الايام له آثار مدمرة على نفسياتنا واتزان تفكيرنا؟!
أنا لست ضد تنعمنا بالخيرات التي أنعمها الله علينا، ولكني أعتقد بأننا قد زودناها حبتين وأننا قد حوّلنا حياتنا الى بساط سحري من الأحلام الوردية، وحوّلنا عقولنا الى آلات حاسبة تحسب ما ننتظره من ثروات دون أن تحسب ما هو مطلوب منا من بذل وعطاء في خدمة الوطن، ومن يتنقل بين الوظائف المختلفة يدرك بأن حالة من الاسترخاء قد أصابت كثيراً من الناس بسبب تلك الآمال المتصلة، وان حجم العطاء في الوظائف والانتاج قد وصل الى الحضيض، وأن حجم الترفيه في حياتنا قد تضخم الى درجة غير مسبوقة، فلا تكاد ترى إلا طوابير الناس في المطارات للسفر في المواسم وغير المواسم، بل إن هذه الحالة شبه الهستيرية قد أثرت على بعض الناس فراح يصرف ويصرف دون وعي وفي اعتقاده بأن الدولة ستسدد عنه فواتيره وستسقط عنه ديونه، وإلا فماذا يعني لنا لجوء 275 ألف مواطن للاقتراض ومنهم أكثر من تسعة آلاف مدين في حالة خطرة من الضبط والإحضار؟!
أما خطط الدولة لتحويل العمالة الكويتية الى القطاع الخاص فقد تبخرت الى غير رجعة، فمن ذا الذي يرضى بذبح دجاجة تبيض ذهباً (العمل الحكومي) لكي يتحول الى التعب والشقاء، إن كثيراً من العقلاء قد رفعوا الراية الحمراء وحذروا من الاسترسال في هذا النمط الاستهلاكي والمعيشي الخاطئ الذي سيدمر البلد لا محالة وسيجعلنا في مؤخرة الركب، كما ألقى هؤلاء العقلاء اللوم على الحكومة والمجلس لتبادلهم الأدوار في السعي لشراء رضى المواطن على حساب مصلحة الشعب ومستقبل أبنائه ولكن ليس من مجيب!!
قارن بين المتابعين لمؤتمرات اصلاح التعليم والمؤتمرات الطبية ومؤتمرات الأدب والفكر، وبين المتابعين لندوات زيادة الخمسين ديناراً واسقاط القروض واقرار الكوادر الوظيفية لتجد بأن كثيراً من الناس يعيش في سكرة، وليتهم يقولون للحكومة: قد كفيتي ووفيتي، لكن شهيتهم في كل يوم تزداد وسخطهم على واقعهم يتوسع.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «والله ما لفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم».
د. وائل الحساوي
[email protected]