ضواحي / على موعد مع... السفر

تصغير
تكبير
| سارة صلاح العتيقي |

- جوازك لو سمحت

- تفضل

أخذ يقلب فيه... وجده مزدحما بالأختام، تفحصه بدقه... أميركا، استراليا، سنغافورة، سويد وغيرها الكثير. استشاط المسافر غيظا، ونداء طائرته الأخير يعلن عن نفسه، فطالبه بالانتهاء من الإجراءات سريعا، ختمها على مضض ثم قال:

- أتمنى لك رحلة سعيدة يا سيدي.

انتزع المسافر جوازه وانطلق مسرعا دون أن يأبه بالرد عليه. ود الموظف لو كان هو من يتجه إلى تلك الطائرة. مع أن مهنته في هذه الحياة هي ختم الجوازات والتأكد من صحتها، إلا أنه لم يركب طائرة في حياته قط، دخله المحدود وطلبات أولاده أجبرته أن يتخلى عن كثير من أحلامه، ودعهم واحدا تلو الأخر وهم يستقلون تلك الطائرات العملاقة ليحظوا بحياة أفضل مما حظا به. أمله الوحيد هو ان يتسنى له الطيران بإحداها متجها لأداء فريضة الحج.

«انه اليوم الموعود»... هكذا خاطب نفسه وهو يعد العدة لسفرته التي وضع مدخرات حياته فيها، أعد كل شيء في حقيبة صغيرة، كاميرته الصغيرة، الإحرام، حزام النقود، التذكرة، الفندق الذي سيسكن فيه، القرآن، المسباح... اتجه بعدها إلى المطار خاوي البطن، ممنيا نفسه بطعام الطائرات الردئ، الذي لطالما سمع عنه ولم يذقه قط، فقد قرر عيش التجربة كاملة.

وصل مبكرا جدا... توقف أمام احد أصدقائه ممن يختمون الجوازات، ابتسم له الأخير قائلا: هنيئا لك يا صاح، أخيرا ستحقق حلمك بالسفر، لا تنسى الدعاء لنا، أعطني جوازك لأختمه، أم أنك نسيت الإجراءات؟ (قالها مداعبا).

وهنا تسمر الأول في مكانه واحتقن وجهه وكاد ان يغمى عليه، متذكرا انه لم يستخرج جواز سفر لنفسه، فقد افترض ان عنده واحدا بالضرورة، من كثرة ما رأى منها طوال سنوات عمله.

أسقط ما في يده حينما اغرورقت عيناه بالدموع، وهو يرمق الناس متدافعة إلى طائراتهم، داعيا الله ان يكون معهم يوما ما.


[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي