فجأة استفاقت جمعية المهندسين الكريمة من سباتها الطويل لتدرك مشكورة، ولو بعد حين بأن مهندسيها في القطاع الحكومي هم من يستحق إقرار كادر خاص بهم أسوة بزملائهم الآخرين من مهندسين عاملين في القطاع النفطي ومؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وغيرهم، ممن نالوا مثل هذه الحظوة من أطباء وقانونيين وغيرهم وغيرهم.
تصريحات السيد رئيس الجمعية قبل إقرار الكوادر الأخيرة مرتبطة بموضوع الزيادة التي تفضلت علينا بها الحكومة من باب الكرم الحاتمي الذي اعتدناه منها، رغم السخط الشعبي والاستياء العام الذي أبداه معظم المواطنين وبعض نواب أمتهم المحترمين بأنه جاء مخيباً للآمال، ولم نكن تتوقعه من حكومة يفترض أن تكون أقرب إلى حاجات شعبها ومواطنيها، نعود إلى تصريحات رئيس الجمعية تلك، والتي كانت تتصدر صفحات الصحف وقتها وتذكر بين الفينة والأخرى أن لجمعية المهندسين الكويتية تصورها الخاص في شأن موضوع الكوادر من باب الحل عندي لا أكثر، وهو قد يدخل، وللأسف، في خانة الاستهلاك الإعلامي الممجوج والبعيد قولاً وفعلاً عن ملامسة مشكلات المهندس الكويتي العامل في القطاع الحكومي، وما يكتنفها من جور لا يخفى على كل ذي لب سليم.
جمعية المهندسين كادت أن ترسخ ثقافة العين بصيرة واليد قصيرة في ذهنية منتسبيها من المهندسين الذين هم كبقية خلق الله يستحقون إعادة النظر في موضوع رواتبهم مرة أخرى، والتي حاولت الجمعية أن تصوره لنا حينها أنه كادر، ولو من باب خذ قبل فوات الأوان، أو حتى لا تندم لاحقاً وغيرها من شعارات براقة ذات حس سلبي لا يخلو من غموض. فالمهندسون العاملون كلهم يدركون أن ما أقر لهم وقتها لا يمكن أن يستحق وصف زيادة، ناهيك بالظفر الذي حققه القائمون على الجمعية آنذاك عبر السماح بتمريره تحت مسمى كادر أسوة بالآخرين، فالمهندس الكويتي العامل في القطاع الحكومي محروم من الكثير من المميزات التي يتمتع بها زملاؤه المهندسون العاملون في القطاعات الأخرى من ناحية الراتب وبدلات السكن والإيجار والأثاث والدورات في الداخل والخارج وغيرها وغيرها من تسهيلات أخرى تقدمها مثل تلك القطاعات التي تدرك جيداً كيف تتمسك بمهندسيها، خصوصاً من ذوي الخبرة والكفاءة، وهم كثر والحمد لله في القطاعات كلها. كما لا يمكن إغفال خطورة غض البصر عن حجم تلك الإغراءات التي تحاول أن تحيد بالمهندس الكويتي عن مسار عمله بأمانة وإخلاص، والتي كثيراً ما يحاول أصحاب المصالح من شركات مقاولات وغيرها تمريرها كمخالفات غير قانونية يمكن تجاهلها بعقود مشاريع تقدر قيمتها بملايين الدنانير. وجمعية المهندسين تعرف حجم المشاريع التي يديرها ويشرف عليها بعض المهندسين الكويتيين في القطاع الحكومي. وثمة قاعدة ثابتة تقول أينما وجد المال وجد الفساد. ونحن هنا لا نسأل عن المال بقدر سؤالنا عن دور الجمعية، والتي يبدو أنها ستصنف قريباً في خانة النوادي النخبوية من فئة خمس نجوم لرجال المال والأعمال (روتاري) أكثر من كونها جمعية مهنية هدفها الأساسي الدفاع عن حقوق المهندسين وتحقيق مصالحهم المشروعة.
بدر ناصر العتيبي
كاتب ومهندس كويتي
[email protected]