بعد أيام عدة من التأجيل الغامض لزيارة نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية إلى العاصمة دمشق، وافقت السلطات السورية على منحه الإذن بدخول الأراضي السورية حاملاً معه مبادرة قال إنها ستساهم في نزع فتيل الصراع في الداخل السوري، ولأن نبيل العربي منذ توليه رئاسة الجامعة العربية لم يكن له موقف حاسم وحازم تجاه الأوضاع المزرية في سورية، فإن الترحيب الشعبي بزيارته ومبادرته المزعومة كان في أدنى مستوى له لفقدان الشعب السوري الثقة بقدرة هذا العربي على التأثير على النظام السوري الجبار.
وتأكد صدق حدس الشارع السوري بعد انتهاء زيارة الأمين العام وخروجه ببيان هزيل ضعيف لا يسمن ولايشبع من جوع، وبدا واضحاً من كلماته المقتضبة التي اختصرت بكلمة الإصلاحات بأن زيارته إما أنها لم تحقق المرجو منها، أو أنها لم تتناول الوضع السوري بالجدية الكافية التي تكفل إيجاد حل لوقف آلة القتل والاضطهاد ضد الشعب السوري، وبكلا الحالتين توضح نتيجة الزيارة ضعف الموقف العربي وسلبية الجامعة العربية المزمنة تجاه القضايا العربية من جهة، وتعنت النظام السوري وعناده واستهتاره بالمجتمع العربي والدولي،وعدم إذعانه للمطالبات والعقوبات والضغوطات الدولية وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عزم النظام على تصفية جميع معارضيه حتى وإن كان نصف الشعب السوري.
ورغم عدم تغيير سياسة القمع والقتل التي ينتهجها النظام السوري في التعامل مع الشعب منذ أكثر من ستة أشهر، إلا أنه يبدو أن البعض يحتاج إلى مزيد من سفك الدماء للوقوف موقفاً إنسانياً داعماً للشعب وموقفاً سياسياً رادعاً للنظام، هذا البعض مثله العربي باقتدار بزيارته لدمشق والتي عبر خلالها عن مدى الضعف والهشاشة التي يقابل بها اخواننا العرب الأشاوس المحنة الدموية التي تجتاح سورية أرضاً وشعباً، كما دلت هذه الزيارة بشكل قاطع على أن الآمال التي يتعلل بها السوريون بوقوف المجتمع الدولي عامة والمجتمع العربي خاصة معهم إنما هي محض خيال، وتأكد للشعب السوري بأن مشكلته مع النظام لن يحلها سوى الله سبحانه وتعالى لأنه الوحيد القادر على التعامل مع الجبابرة الظالمين، وأن مايحدث في سورية هي قضية الشعب السوري وحده وهو المعني الوحيد بحلها.
ولم يكن موقف مجلس دول الخليج بأفضل حال، فقد اكتفى الاخوة الخليجيون بالاستنكار والشجب وطلب وقف آلة القتل، والتأكيد على حرصهم على أمن ووحدة سورية، من دون أن يتكلفوا عناء التقدم بحلول أو وضع خطط أو محاولة محاورة النظام والضغط عليه اقتصادياً وديبلوماسياً وكأنهم يقولون له: أنت اقتل ونحن نشجب، وما يدعو للاستغراب فعلاً أن هذا الموقف لم يتغير ولم يتبدل بتغيير الظروف والأطراف، فهو الموقف العربي نفسه من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين، مع فارق الحال والأحوال.
لقد استنجد الشعب السوري المقهور والمذلول مراراً وتكراراً بالأشقاء والأصدقاء، مرة قال لهم صمتكم يقتلنا، وأخرى طالب بالحماية الدولية فلا الأشقاء نطقوا حقاً ولا الأصدقاء هبوا دفاعاً، ويبقى السوريون يدورون في طاحونة الموت يقدمون كل يوم عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين وملايين المذعورين الخائفين من يوم إلى آخر يحمل لهم مزيداً من الدم، تحت أنظار المجتمع العربي والدولي دون أي تحرك فعلي وفعال على خلفية الأحداث الدموية الجارية هناك، وما يزيد الطين بلة تصريحات نبيل العربي بعد زيارته التاريخية لمعقل الأسد، التي تؤكد نجاح الزيارة وقيام النظام السوري بالإصلاحات المطلوبة واستمراره بهذا الإصلاح في حين أعلن استشهاد أكثر من سبعة عشر شهيداً من شباب سورية الأحرار في ليلة زيارته تلك.
ولعله يحق للسوريين الآن وهم يعيشون ذلاً وقهراً تحت وطأة الأمن السوري وحماة الديار وعصابات النظام وشبيحته المستوردين، وتحت مرأى وأنظار العالم العربي والإسلامي والدولي، أن يقولوا حرقةً واشمئزازاً: صمتاً أيها العربي، وهنيئاً لكم آل يعرب فقط طمى الخطب بأرض الشام وغاصت بالدم الركب.
مها بدر الدين
كاتبة سورية
[email protected]