أماكن / فلنقرأ هنا... سورة الرحمن (1)
جمال الغيطاني
| جمال الغيطاني |
- مسجد ومدرسة الجاي اليوسفي
- ماذا جرى للأمير بعد زواجه من أم السلطان؟
- عندما يتغير خاطر السلطان...!
مع كل خطوة أتقدمها يسفر لي «المسجد- المدرسة» عن جزء منه، من هنا يقبل عليّ، وبعد خروجي منه واستمراري في الطريق يدبر عني، لا يختفي فجأة، انما يتوارى على مهل، حتى يسلمني الى مسجد آخر، هذا ما نلحظه في الطريق، مئذنة تفضي الى مئذنة، قبة تسلمنا الى أخرى، على امتداد هذا الطريق حتى بوابة الفتوح، ثم شارع الحسينية وانتهاء بميدان الجيش، لا يمكن للعين الا أن تقع على مئذنة أو قبة أو مدخل أو لوحة خط أو جدار منمنم، وتلك حالة تختص بها القاهرة القديمة.
ها هي القبة تبدو بكاملها، تبهرنا فيها زخرفتها، تلك الخطوط الملتوية التي تنطلق من قاعدتها لتتيح انحناءة القبة المنتهية عند ذروتها، حركة قوية فيها جرأة وابداع وشكل من الزخرفة غير مسبوق في أي مكان من العالم، تكرر هذا في قبة أصغر حجما، قبة مدرسة ومسجد الأمير ايتمش البجاسي القريبة من باب الوزير، حركة صاعدة من أسفل القبة الى أعلاها، تبدأ من دائريتها وتلتقي الخطوط كلها عند ذروتها.
القبة رمز للكون، كما أنها اشارة الى الأبدية، تعني القبة أن تحتها مرقدا، ضريحا، اما لولي حميم أو صاحب سلطة، وفرق كبير بين مراقد الصالحين ومآوي الحكام عند المصريين، وهذا ما سأتوقف عنده مطولا، خصوصا في مسجد الرفاعي، ومسجد قجماس الاسحاقي الشهير بأبي حريبة.
يحلو لي التطلع الى المئذنة الرشيقة، العلاقة بينها وبين القبة ذلك التناسق الخفي الذي يبث نغما في الفضاء، لكم تأملت الصلة بين المستقيم الصاعد، الواحد، وبين الدائري، الدائرة. هذه الصلة بلغت الذروة القصوى في مسجد قايتباي بصحراء المماليك، تناغم لا مجال للاهتزاز فيه، المئذنة تشد القبة والعكس، تكامل الليل والنهار، الأصل بالظل، الذكر بالأنثى، فكأنه الكمال المنتج للاستمرارية والضروري للبقاء.
أمامي تناسق آخر، مئذنة مصرية صميمة وقبة عليها ابداع فريد، لكن يخيل اليّ أن المئذنة فيها استعلاء ما على القبة، وأحيانا يخيل اليّ أن كلا منهما بمفردها بعكس مسجد قايتباي... الذي لا يمكن أن أتخيل فيه القبة بمفردها عن المئذنة.
أقترب من «المسجد ـ المدرسة»، نوافذه تكشف لنا المداخل، الواجهة الرئيسة غربية تطل على الطريق، مثل العمارة المصرية المملوكية، قمة اكتمال الشخصية المصرية في العمارة، يقوم المبنى على التدرج.
لنتذكر: لا شيء يولد مكتملا، لا شيء يجيء الى الوجود تماما، لابد من خطى يكتمل فيها وعبرها المخلوق، نباتا كان أو حيوانا أو انسانا... كذلك النهر الذي يبدأ فيضانه بنقطة، مجرد نقطة، هكذا العمارة المصرية الصميمة، فرعونية كانت أو قبطية أو اسلامية مملوكية. العصر المملوكي هو الذي شهد اكتمال الرؤية المصرية الاسلامية، العصر الفاطمي غلب عليه التصميم المغربي، هكذا الأزهر، والأنور «الحاكم بأمر الله» والأقمر، لا تدرج في العمارة، كذلك الأيوبي.
في المملوكي استعاد المصري رؤيته الى الكون، وما من شيء عبر عنها مثل العمارة، مدخل الجاي اليوسفي لا يكشف الصحن الداخلي، كأنه مكتمل، العتبة تحيط بها الأساطير، من يعاني أمراضا مستعصية يمكنه أن يلحس العتبة فيبرأ، أما الجانب الأسير من الباب فلحسه يؤدي الى الشفاء من الادمان، هذا ما أخبرني به المقيمون بجوار المسجد.
أتوقف في المدخل، بالطبع لا يمكن المقارنة بين مدخل السلطان حسن المهيب، وبين هذا، غير أن الرؤية واحدة في كليهما، الرؤية القائمة على التدرج، أتمهل هنا مستعيدا سيرة من أمر بتشييد هذا المسجد المستكين أول الطريق الأعظم وسط سوق السلاح.
- مسجد ومدرسة الجاي اليوسفي
- ماذا جرى للأمير بعد زواجه من أم السلطان؟
- عندما يتغير خاطر السلطان...!
مع كل خطوة أتقدمها يسفر لي «المسجد- المدرسة» عن جزء منه، من هنا يقبل عليّ، وبعد خروجي منه واستمراري في الطريق يدبر عني، لا يختفي فجأة، انما يتوارى على مهل، حتى يسلمني الى مسجد آخر، هذا ما نلحظه في الطريق، مئذنة تفضي الى مئذنة، قبة تسلمنا الى أخرى، على امتداد هذا الطريق حتى بوابة الفتوح، ثم شارع الحسينية وانتهاء بميدان الجيش، لا يمكن للعين الا أن تقع على مئذنة أو قبة أو مدخل أو لوحة خط أو جدار منمنم، وتلك حالة تختص بها القاهرة القديمة.
ها هي القبة تبدو بكاملها، تبهرنا فيها زخرفتها، تلك الخطوط الملتوية التي تنطلق من قاعدتها لتتيح انحناءة القبة المنتهية عند ذروتها، حركة قوية فيها جرأة وابداع وشكل من الزخرفة غير مسبوق في أي مكان من العالم، تكرر هذا في قبة أصغر حجما، قبة مدرسة ومسجد الأمير ايتمش البجاسي القريبة من باب الوزير، حركة صاعدة من أسفل القبة الى أعلاها، تبدأ من دائريتها وتلتقي الخطوط كلها عند ذروتها.
القبة رمز للكون، كما أنها اشارة الى الأبدية، تعني القبة أن تحتها مرقدا، ضريحا، اما لولي حميم أو صاحب سلطة، وفرق كبير بين مراقد الصالحين ومآوي الحكام عند المصريين، وهذا ما سأتوقف عنده مطولا، خصوصا في مسجد الرفاعي، ومسجد قجماس الاسحاقي الشهير بأبي حريبة.
يحلو لي التطلع الى المئذنة الرشيقة، العلاقة بينها وبين القبة ذلك التناسق الخفي الذي يبث نغما في الفضاء، لكم تأملت الصلة بين المستقيم الصاعد، الواحد، وبين الدائري، الدائرة. هذه الصلة بلغت الذروة القصوى في مسجد قايتباي بصحراء المماليك، تناغم لا مجال للاهتزاز فيه، المئذنة تشد القبة والعكس، تكامل الليل والنهار، الأصل بالظل، الذكر بالأنثى، فكأنه الكمال المنتج للاستمرارية والضروري للبقاء.
أمامي تناسق آخر، مئذنة مصرية صميمة وقبة عليها ابداع فريد، لكن يخيل اليّ أن المئذنة فيها استعلاء ما على القبة، وأحيانا يخيل اليّ أن كلا منهما بمفردها بعكس مسجد قايتباي... الذي لا يمكن أن أتخيل فيه القبة بمفردها عن المئذنة.
أقترب من «المسجد ـ المدرسة»، نوافذه تكشف لنا المداخل، الواجهة الرئيسة غربية تطل على الطريق، مثل العمارة المصرية المملوكية، قمة اكتمال الشخصية المصرية في العمارة، يقوم المبنى على التدرج.
لنتذكر: لا شيء يولد مكتملا، لا شيء يجيء الى الوجود تماما، لابد من خطى يكتمل فيها وعبرها المخلوق، نباتا كان أو حيوانا أو انسانا... كذلك النهر الذي يبدأ فيضانه بنقطة، مجرد نقطة، هكذا العمارة المصرية الصميمة، فرعونية كانت أو قبطية أو اسلامية مملوكية. العصر المملوكي هو الذي شهد اكتمال الرؤية المصرية الاسلامية، العصر الفاطمي غلب عليه التصميم المغربي، هكذا الأزهر، والأنور «الحاكم بأمر الله» والأقمر، لا تدرج في العمارة، كذلك الأيوبي.
في المملوكي استعاد المصري رؤيته الى الكون، وما من شيء عبر عنها مثل العمارة، مدخل الجاي اليوسفي لا يكشف الصحن الداخلي، كأنه مكتمل، العتبة تحيط بها الأساطير، من يعاني أمراضا مستعصية يمكنه أن يلحس العتبة فيبرأ، أما الجانب الأسير من الباب فلحسه يؤدي الى الشفاء من الادمان، هذا ما أخبرني به المقيمون بجوار المسجد.
أتوقف في المدخل، بالطبع لا يمكن المقارنة بين مدخل السلطان حسن المهيب، وبين هذا، غير أن الرؤية واحدة في كليهما، الرؤية القائمة على التدرج، أتمهل هنا مستعيدا سيرة من أمر بتشييد هذا المسجد المستكين أول الطريق الأعظم وسط سوق السلاح.