مها بدر الدين / النظام السوري يتخطى حدود الشر المعتاد

تصغير
تكبير
حمل السيد أوغلو استياء السيد أردوغان بين عينيه وتوجه إلى سورية لينقل لنظامها رسائل الغضب التركي من ممارساته القمعية التي لم يعد بالإمكان تجاهلها دولياً، وحمل معه آمال السوريين بقدرة الأتراك على كبح جماح النظام السوري المائج والسيطرة على أسلوبه القمعي الهائج، وتفاؤلهم ببريق أمل لاح لهم من أنقرة يوحي بأن الفرج قريب، لكن يبدو أن استياء أردوغان وغضب أوغلو كانا كالنار التي تضرم بغصن أخضر، فلا الغصن يحترق ولا النار تستعر، ولا ينتج عن هذا الإضرام سوى سحابة من الدخان تنتشر بكثافة وتتلاشى بسرعة في مكانها.

فالفزعة التركية القوية التي سبقت زيارة الوزير أوغلو إلى دمشق لم تتناسب مطلقاً مع نتائج هذه الزيارة التاريخية التي كان ينتظرها ملايين السوريين القابعين تحت أسواط النظام السوري وهمجية جلاديه، ولم تتناسب كذلك مع سقف التوقعات الذي ارتفع بارتفاع حرارة التصريحات التركية وهوى سريعاً ببرودة النتائج التي خرج علينا بها الأوغلو من زيارته تلك.

لقد تفاجأ السوريون بأن تركيا التي تمثل حالياً دور الناطق الرسمي باسم المجتمع الدولي في ما يخص الأزمة السورية، قد أعطت النظام السوري مهلة خمسة عشر يوماً لإجراء إصلاحاته التي وعد بها سابقاً، والكفيلة (من وجهة نظرهم) بإعادة الأمن والأمان إلى أرض الشام، متناسين بأن مفردات اللغة السياسية السورية تختلف في معانيها عن مفردات السياسات الأخرى، فهي لغة ضدية تنقل الصورة بشكلها المقلوب وتمزج الأبيض بالأسود لينتج عنهما اللون الأحمر، فكما حولت هذه اللغة المتظاهرين السلميين إلى جماعات إرهابية، ووصفت القمع الوحشي للشعب السوري بعمليات التطهير لإعادة الأمان، فإنه من هذا المنطلق يصبح معنى الإصلاح مزيداً من القتل والعنف للسيطرة على الشارع السوري، وتعني المهلة التي سيُراقب بها أداء النظام الضوء الأخضر الذي أُعطي له لتنفيذ سياساته القمعية ومحاولة إنقاذ نفسه من السقوط أمام تصاعد الاحتجاجات الشعبية، ولأن السوريين وحدهم يعرفون عقلية مستبديهم ولغتهم الدموية أدركوا أن خمسة عشر يوماً ستعطي فسحة لهذا النظام وشبيحته بممارسة هواياتهم في القنص والقتل والتنكيل بهم في محاولة مستميتة لإخضاعهم واستعبادهم لردح آخر من الزمن يعلم الله وحده كم يمكن أن يطول.

ولم يخب ظن الشعب السوري بهم فالنظام الفاشي لم يضع وقته هدراً، وأرسل قوافل جنده في أصقاع سورية المختلفة لتحاصر المحافظات بدباباتها ومدرعاتها، وتقتحم المدن مدينة تلو الأخرى لتقتل الأرواح وتعيث في الأرض فساداً، وتشن حملات دهم واعتقال واسعة، وتمارس طقوساً جاهلية في شهر رمضان الفضيل يستحي المشركون بالله من القيام بها، فالمآذن تستهدف بمدفعياتهم، والجوامع تحاصر بدباتهم إما لمنع قيام الصلاة فيها وإما لقتل المصلين داخلها، ويجبر المعتقلون وأهاليهم على السجود لقائدهم وتأليهه والتسبيح باسمه، وما خفي كان أعظم.

ورغم التحرك الدولي الملحوظ بعد جمعة «صمتكم يقتلنا» إلا أنه كان تحركاً سلحفاتياً لا يتماشى مع الخطب الجلل الذي يلم بأهلنا في الشام، ولم ينجح حتى الآن في إيقاف توغل قوات الجيش والأمن في الديار التي أصبحوا حرامييها بعد أن كانوا حُماتها، كما لم يمنع النظام الديكتاتوري من التغول في استبداده والتفنن في أساليب قمع وقتل واعتقال المواطنين السوريين الذين يؤكدون يومياً بتظاهراتهم السلمية اليومية رغم الحصار والدمار والقصف بأنهم قد حزموا أمرهم على التخلص من كابوس النظام، وحسموا موقفهم برفضهم لإصلاح لا يبدأ من سقوطه أولاَ.

وقد لوحظ بشكل لافت ازدياد النشاط الإجرامي للنظام السوري منذ منحه المهلة المثيرة للشك والريبة، واتساع رقعة الحرب التي يشنها هذا النظام على شعبه الأعزل، وأصبح واضحاً بأنه بدأ مرحلة الجنوح السلطوي والجنون القمعي وفقدان التوازن السياسي بعد أن استشعر رجحان كفة الشعب الثائر على كفة سلطته المستبدة، وبأن المجتمع الدولي بدأ يعد العدة لإقصائه وإعلان سقوط شرعيته بعد أن أكد بغبائه السياسي ومجاراته للأساليب الإيرانية في إدارة الأزمة بأنه نظام فاشي يستعصي على هتلر نفسه أن يتخيل أن له خليفة في القرن الواحد والعشرون يسابقه في تخطيه حدود الشر المعتاد.

السؤال الملح الآن في ذهن أي مواطن سوري ماذا بعد هذه المهلة المهلكة؟ فالسلطان الجائر لا يزال ماضياً في غيه، والشعب الثائر لا يبرح أماكن احتجاجه، وعجلات الآلة العسكرية لا يزال يسمع هديرها القاتل في أرجاء الوطن المكلوم، والشهداء يزفون كل يوم إلى بارئهم والمعتقلات الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، وماذا يخطط زعماء المجتمع العربي والدولي للأيام المقبلة على السوريين، وما هي السيناريوات التي ستطرح بعد اجتماعاتهم ومهاتفاتهم ومشاوراتهم الدائرة في أروقتهم الآن؟ خصوصا وأن قد ثبت أن النوايا الصادقة في الإصلاح لم تكن يوماً على أجندة النظام السوري، وأن لغة الدم هي اللغة الوحيدة التي يجيد التفاوض بها.





مها بدر الدين

كاتبة سورية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي