أثناء نشري للمقالات الثلاث السابقة، حول الفرق بين الليبرالية والتقدمية، أرسلت لي مجموعة من التعليقات والأسئلة، سأحاول الرد على بعضها، وسأهمل التعليقات العدائية، والتي تحمل ألفاظاً لا تليق بالحوار الحضاري.
ذكرني أحد الأخوة، بأن الليبرالية الأوروبية، تحمل توازناً بين الحرية والمساواة، على عكس الليبرالية الأميركية التي تلغي المساواة، وهذا صحيح في الواقع، وهو سبب التناقض والعداء الخفي بين الدول الأوروبية، التي رفضت لبعض الوقت الهيمنة الأميركية، وبين أميركا التي تريد فرض نموذجها على دولنا وعلى الدول الأوروبية على حد سواء، وهو ما أنتج الوسط التاريخي «للاشتراكية الديموقراطية» في أوروبا، كما يقول سمير أمين، وهو شكل متوازن من الليبرالية، ولكن ما يحدث الآن للأسف، هو اقتراب أوروبا من النموذج الأميركي، الذي يفرض نفسه ويعمم نموذجه على العالم، وعلى مثقفي العالم الثالث، وهو ما نلحظ تأثيراته على اليونان وايطاليا والبرتغال واسبانيا، التي يكره مثقفوها الليبرالية، التي أوصلت بلدانهم إلى الافلاس والافقار، رغم أن النظم في دولهم، «اشتراكية ديموقراطية»، والتي هي بالنهاية ليبرالية.
وسألني آخر، ماذا أسمي الثورات العربية، أو على حد تعبيره «الربيع العربي»، فقلت له هي ثورات اجتماعية ديموقراطية، لكنها في النهاية، ستكون ذات نظام ليبرالي، ينادي بالحريات والنظام البرلماني وتداول السلطة، إلا اذا راحت أبعد في مطالبها وحركتها، من خلال الضغط من الأسفل والأعلى، كما يحدث في تونس ومصر الآن، أما النظم الوراثية، فأقصى ما يمكن أن تصل إليه في هذه المرحلة، هي الملكيات والإمارات الدستورية، وهو تقدم ليس بسيطاً، لكنه سيظل في الفلك الرأسمالي، الذي تتعمق أزمته يوماً بعد يوم.
وسألني آخر عن موقف الليبرالية من التلوث البيئي، وآخر سألني عن الليبراليين الكويتيين ومواقفهم، وباختصار إن الليبرالية ارتكبت جرائم بيئية في حق كوكبنا وفي حق البشرية، لأنها تهدف أساساً إلى الربح وتعاظمه، ولا تريد خسارة المليارات، من أجل الحفاظ على البيئة، ولا تريد أن تخسر بوضعها فلاتر لمصانعها، كما أن التجارب النووية، تسهم في الاحتباس الحراري، وتلوث البحار، وتوسع ثقب الأوزون.
الليبرالية الكويتية ومنها القومية، هي تقدمية بمقابل الاستعمار، لكنها في الجوهر ليبرالية، والممارسة النظرية عند الليبراليين الكويتيين، تختلف عن الممارسة السياسية، وبالخلاصة فالفكر الليبرالي، فكر قديم لأنه تراجع عن حركة التاريخ.
وسألني قارئ، هل أرمي من خلال مقالاتي لتفتيت القوى الوطنية؟ وفي الواقع أن القوى الوطنية فتتت نفسها، بعزلتها عن الجماهير ومطالبها، كما انها انحازت طبقياً ضد مصالح فئات واسعة من أبناء شعبها، عندما وافقت على قانون الخصخصة وتبنته، وعندما استبعدت في نضالها، المطالب المعيشية، للفئات الشعبية والمهمشة، وفي النهاية تحولت إلى مراكز انتخابية.
أعتذر عن ضيق المساحة، فلن أستطيع الرد على بقية الأسئلة والتعليقات.
وليد الرجيب
[email protected]