العنوان أعلاه هو عنوان لرواية انتهيت من قراءتها قبل أيام لمروان كُجُك، حيث يؤكد في مقدمتها على أنه «اشتدت الوطأة على الأحرار، وكثر الجواسيس حولهم، ولم يعد في الوطن مكان عام يأمن فيه الناس من مراقبة زبانية القهر والطغيان غير مكان واحد يمكن أن يلتقي فيه الأصدقاء والأصحاب، من غير ريبة، لم يتفطن إليه الزبانية وهو: الفرن».
ويستعرض المؤلف في روايته «رائحة الخبز» تسلط الجبروت على رقاب المخلصين من أبناء الوطن، وكيف هي أساليب الدول البوليسية في عد أنفاس البشر، وكيف حولوا الناس إلى مخبرين وكتّاب تقارير حتى عن أقرب الناس لهم، ولك أن تتخيل كيف لطالب أن يكتب تقريراً عما يقوله أستاذه في الفصل.
جماهيريات الرعب تلك حولت البلاد الفسيحة إلى سجن انفرادي ضيق، لا يستطيع فيه المرء الجلوس مع أحد لبث همومه وشكواه، خوفاً من كتّاب التقارير الذين يتسابقون في الكذب طمعاً في ما يرميه إليهم مسؤولو الأمن من فتات مقابل تلك التقارير الملفقة التي فيها كل ما تتخيله إلا الصدق والواقع.
هكذا هم الجزارون... يدعون أنهم يريدون حماية الوطن من المخربين وأعداء الثورة، ولكنهم في الحقيقة يحمون مصالحهم الخاصة، ويستعينون بكل وسيلة في الحفاظ على تلك المصالح والدفاع عنها، فغايتهم تبرر أي وسيلة قذرة يمكن استخدامها، حتى لو كانت ظلم الناس وقطع أرزاقهم.
في رواية «رائحة الخبز» يستعرض المؤلف قصة الأستاذ محمود، الذي حاول عشرات المخبرين أن يؤذوه بتقارير ملفقة دون جدوى، فأجهزة الأمن لم تجد دليلاً واحداً ضده، بل العكس هو الصحيح، حيث كان يقوم بواجبه الوطني الذي يمليه عليه الضمير الحي، وازدادت شهرته بين الناس، فحاولوا أن يبعدوه عن التدريس والتأثير في الجيل الجديد فنقلوه كأمين مكتبة فازداد تأثيره، فنقلوه كمشرف زبّالي المنطقة إمعاناً في إذلاله فلم يجد بُداً من خدمة أهله وناسه، فازدادت شهرته وسمعته بعد التقدم الملحوظ في نظافة المنطقة، فنقلوه أخيراً إلى المسلخ، والذي استطاع من خلاله أن يقوم بدور مهم في توفير اللحوم المناسبة لأهل البلد.
حاول الفاسدون أن يثنوا عزمه، ويكسروا من عزيمته في خدمة الوطن ولكنهم لم يستطيعوا، بينما استطاع هو أن ينجح في الهرب من مكيدة دبرها له جلاوزة النظام، الذي تقوم بعض حكوماتنا هذه الأيام بدعمه بملايين الدنانير للأسف الشديد. ولهم نقول اتقوا دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب.
د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
Twitter : @Dralsuraikh