أوراق ملونة / المقرنصات الإسلامية
المقرنصات
علي الجاسم
| بريشة وقلم علي الجاسم |
تميزت العمارة الاسلامية بنهج ثوابتها في الالتزام بالحدود الشرعية، التي أمرت بها السنة النبوية الشريفة فكانت قيود تحريم الصور وتجسيد التماثيل قد اعطى للفنان المسلم سبلا اخرى من الابداع، الذي زين مساجد الله كاشرف بقعة مقدسة الى قلبه، فخطت يمينه ابداعا اذهل البصر والبصيرة، واصبح لمعالمه الكثيرة سمة بارزة للحضارة الاسلامية على مر عصورها ولعل كان ذلك جليا وواضحا في ما عرف «بالمقرنصات»، وهي جمع «مقرنص» في المشرق و «مقربص» في المغرب الإسلامي أو «الدلايات» في مصر وهو ما جاء معناه في المعجم الوسيط «مقرنس» اي «قرنس السقف والبيت زينة بخوارج منه ذات تدريج متناسب فهو مقرنس». وهي كلمة مفردة تعني الجمع وفحواها التدريج. ويعتقد أنها كلمة اقتبست وعربت بإضافة «الميم» العربية لها، بغرض تفعيل اللفظة اليونانية «كارنيس Karnies»، ومعناها الطنف أو النتوء الخارج من البناء والذي مازال له نفس المعنى في اللغات الأوروبية «CorniceأوCornish». اما الدارسون لعمارة المسلمين من الأجانب والمستشرقين، فقد أطلقوا عليه اسم «ستالكتيت Stalactite» أو الهابطات، بما خال لهم في محاكاته لتلك الأصابع الجصية الهابطة من سقوف الكهوف.
و المُقَرنَصات كما ورد في المصادر ذات أنواع وأشكال متعددة، ولا يُستعمل إلاّ متكاثراً متزاحماً بصفوف مدروسة التوزيع والتركيب، متجاورة متعالية، حتّى لَتبدو كلّ مجموعة من المقرنصات وكأنّها بيوت النحل أو أقراص الشَّهد... تتلاصق خلاياها وتجمع بين عناصرها خطوط وكُتَل متناغمة، رياضيّة التصميم، متناهية في الدقة، تؤدي وظيفة معمارية محددة، ودَوراً زخرفياً جمالياً يتجاوز كلّ حدود، و تغطّي المقرنصات المجالات المقعّرة والتقاءَ السطوح الحادّة الأطراف في الأركان بين السقف والجدران وأسفل الشرفات في المآذن ورؤوس مداخل المنابر. وهي تقضي أيضاً على مناطق الانتقال المفاجئ من مربّع قاعدة القبّة إلى الشكل الدائري. وهي تهيمن بشكل خاص على الحنايا الركنية وسماء القباب وطاساتها الخارجية.
ويشير الدكتور علي ثويني في بحثه القيم عن المقرنص في العمارة الإسلامية الى «استخدام الجبس أو الحجر الصناعي الداخل في تركيبة طحين الرخام في صب وتجسيد المقرنصات وخاصة في المغرب العربي، وكذلك في مصر التي نجد فيها استعمال الحجر المنحوت أو اقل من ذلك الآجر والخشب، وهذا يشمل أيضا طراز البناء في الشام والحجاز. أما في العراق واقل منه في الخليج فيستعمل الآجر المركب أو المنحوت في تجسيد هذا العنصر وكذلك المصنوع من الجص والمغطى بالقاشاني الملون أو اقل من ذلك بالمرايا كما في أضرحة «العتبات المقدسة» في بغداد والنجف وكر بلاء والذي ينم عن إبداع رفيع يأخذ بالألباب من جراء إنعكاس الضوء من مجموعة المرايا تلك».
* كاتب وفنان تشكيلي
[email protected]
تميزت العمارة الاسلامية بنهج ثوابتها في الالتزام بالحدود الشرعية، التي أمرت بها السنة النبوية الشريفة فكانت قيود تحريم الصور وتجسيد التماثيل قد اعطى للفنان المسلم سبلا اخرى من الابداع، الذي زين مساجد الله كاشرف بقعة مقدسة الى قلبه، فخطت يمينه ابداعا اذهل البصر والبصيرة، واصبح لمعالمه الكثيرة سمة بارزة للحضارة الاسلامية على مر عصورها ولعل كان ذلك جليا وواضحا في ما عرف «بالمقرنصات»، وهي جمع «مقرنص» في المشرق و «مقربص» في المغرب الإسلامي أو «الدلايات» في مصر وهو ما جاء معناه في المعجم الوسيط «مقرنس» اي «قرنس السقف والبيت زينة بخوارج منه ذات تدريج متناسب فهو مقرنس». وهي كلمة مفردة تعني الجمع وفحواها التدريج. ويعتقد أنها كلمة اقتبست وعربت بإضافة «الميم» العربية لها، بغرض تفعيل اللفظة اليونانية «كارنيس Karnies»، ومعناها الطنف أو النتوء الخارج من البناء والذي مازال له نفس المعنى في اللغات الأوروبية «CorniceأوCornish». اما الدارسون لعمارة المسلمين من الأجانب والمستشرقين، فقد أطلقوا عليه اسم «ستالكتيت Stalactite» أو الهابطات، بما خال لهم في محاكاته لتلك الأصابع الجصية الهابطة من سقوف الكهوف.
و المُقَرنَصات كما ورد في المصادر ذات أنواع وأشكال متعددة، ولا يُستعمل إلاّ متكاثراً متزاحماً بصفوف مدروسة التوزيع والتركيب، متجاورة متعالية، حتّى لَتبدو كلّ مجموعة من المقرنصات وكأنّها بيوت النحل أو أقراص الشَّهد... تتلاصق خلاياها وتجمع بين عناصرها خطوط وكُتَل متناغمة، رياضيّة التصميم، متناهية في الدقة، تؤدي وظيفة معمارية محددة، ودَوراً زخرفياً جمالياً يتجاوز كلّ حدود، و تغطّي المقرنصات المجالات المقعّرة والتقاءَ السطوح الحادّة الأطراف في الأركان بين السقف والجدران وأسفل الشرفات في المآذن ورؤوس مداخل المنابر. وهي تقضي أيضاً على مناطق الانتقال المفاجئ من مربّع قاعدة القبّة إلى الشكل الدائري. وهي تهيمن بشكل خاص على الحنايا الركنية وسماء القباب وطاساتها الخارجية.
ويشير الدكتور علي ثويني في بحثه القيم عن المقرنص في العمارة الإسلامية الى «استخدام الجبس أو الحجر الصناعي الداخل في تركيبة طحين الرخام في صب وتجسيد المقرنصات وخاصة في المغرب العربي، وكذلك في مصر التي نجد فيها استعمال الحجر المنحوت أو اقل من ذلك الآجر والخشب، وهذا يشمل أيضا طراز البناء في الشام والحجاز. أما في العراق واقل منه في الخليج فيستعمل الآجر المركب أو المنحوت في تجسيد هذا العنصر وكذلك المصنوع من الجص والمغطى بالقاشاني الملون أو اقل من ذلك بالمرايا كما في أضرحة «العتبات المقدسة» في بغداد والنجف وكر بلاء والذي ينم عن إبداع رفيع يأخذ بالألباب من جراء إنعكاس الضوء من مجموعة المرايا تلك».
* كاتب وفنان تشكيلي
[email protected]