فهيد البصيري / السياسة والاقتصاد والتعليم!

تصغير
تكبير
ما شاء الله تبارك الرحمن، اللهم زد وبارك، فنسب أولادنا في الثانوية العامة أعلى من نسب الطلبة في اليابان، فأحد الأوائل نسبته 99.80 وكنت أتمنى أن أعرف هذه الغلطة التي أكلت من الطالب الكسر الضئيل المتبقي من المئة في المئة، والطالب كالعادة مصري، والطلبة المصريون أذكياء بالفول والفطرة، وفي احد الأعوام وفي مصر أيضاً حقق أحد الطلبة نسبة مئة في المئة، ويضيف الرواة والعهدة عليهم كالعادة، أن الطالب في الواقع حقق 105 في المئة واحتارت لجنة التصحيح في النتيجة واضطرت إلى تخفيضها إلى مئة في المئة ظلماً وبهتاناً! والنسب المرتفعة في القسم العلمي يمكن هضمها لأن المواد العلمية ذات طبيعة مجردة ومحددة، ولكن النسب المرتفعة في القسم الأدبي شيء يدعو للفخر والاستغراب! فالمواد المتعلقة بالآداب ليس لها ضوابط ومقاييس محددة، وتخضع لتقدير المدرسين، لاحظ أنهم ليسوا أدباء، ويبدو أن تقديرهم للطلبة كبير، ورغم هذه النسب التي تجعل اينشتاين يخجل من نفسه فإننا نجد من يقول: إن التعليم فاشل في الكويت، ولا أدري من نصدق؟ ولو كان أصحاب النسب المئوية (الطافحة) واحدا أو اثنين أو حتى ثلاثة لقلنا هؤلاء فلتات وقلما يجود بهم الزمان ولكنهم جيل كامل والحمد لله.

وهنا السياسة، ولا صوت يعلو على صوت السياسة، والسياسة التعليمية هذه الأيام فوق العملية التعليمية، وهذا النهج قديم قدم وزارة التربية في الكويت، ولو فرضنا أن وزارة التربية بخلت في منح الدرجات، وكانت النسب عادية لا سمح الله ومعدل الرسوب واقعي فماذا سنقول عندها؟ قطعاً سنقول التعليم فاشل لأن النسب متدنية والطلبة (الشبيحة) رسبوا ولم ينج منهم أحد، وعندها لن ينجو وزير التربية ولا رئيس الوزراء من الاستجواب! ولذا تتبارى كل مدرسة لإثبات علو مستواها التعليمي وبراءتها من خلال الصعود على سلم الدرجات، إما لغرض مادي إذا كانت مدرسة خاصة، أو لغرض إثبات جدارة التعليم فيها إذا كانت مدرسة حكومية وتكون النتيجة ما نراه اليوم من نسب مرتفعة وحصاد لا يعلم به إلا الله.

وما يحدث ليس بغريب، ويبدو أنها سياسة لا مفر منها، فالسياسة التعليمية المحلية يجب أن تتواكب مع السياسة التعليمية الخارجية، ودول العالم تفعل الشيء نفسه لطلبتها، ولو أننا بخلنا على أولادنا لما قبلتهم جامعات العالم، وبناء عليه لا أحد أحسن من أحد.

وكل ما فات معقول أو يمكن التعامل معه وإصلاحه، ولكن المحزن هو أن السياسة التعليمة العالمية اليوم لا تستطيع العمل من دون إذن من السياسة الاقتصادية، وثمانون في المئة من جامعات الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا جامعات خاصة، وكل ما عليك هو الدفع بالعملة الصعبة، ليسهل كل صعب ويهون كل مقرر وتحصل على الشهادة المعترف بها عالمياً، حتى أصبحت جامعات العالم المتحضر دكاكين لبيع الشهادات لمن يريد من عباد الله، وحتى الجامعات العريقة لا تستطيع استثنائها، فبعد الأزمات المالية المتتالية أصبحت الأحوال صعبة ولم تنج جامعة واحدة من أثارها، (فخلا لك الجو وبيضي واصفري) واليوم يستطيع الطالب أن يحصل على شهادة في الهندسة من بريطانيا، ومن دون الحاجة لتعلم اللغة الإنكليزية، ويستطيع أي طالب وبغض النظر عن نسبته الحصول على شهادة في القانون من فرنسا ومن دون أن يعرف صباح الخير بالفرنسية، أما الولايات المتحدة الأميركية فهي أم العلم والعلماء وأم الدكاكين وأبوها، ولن أتكلم عن جامعات الهند والفيليبين وشرق آسيا فهذه (بسطات) وليست دكاكين، والغريب أن الآية انعكست، فالتعليم في العالم العربي مازال فيه شيء من غبار الماضي والتعقيد اللذيذ والحرص المفتعل وطبعاً الأساليب البدائية المتخلفة، ولأننا عرب ونفهم بعضنا جيداً فجامعاتنا تسير بحذر وخوف من الفضيحة، وليس بدافع الفضيلة (استغفر الله)، فهي أيضاً لا تستطيع الاستمرار من دون المادة، فالمادة عصب الحياة والأخلاق ملحها، وعندما يرتفع ضغطك لشح المادة، عندها يجب أن تستغني عن الملح.





فهيد البصيري

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي