سئل الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن حكم الصلح مع اليهود في ضوء الشريعة الإسلامية من باب أن الاسلام يرفض مبدأ المهادنة وان الاسلام يدعو لمواجهة الأعداء بغض النظر عن حال الأمة والمسلمين من ضعف او قوة؟ فكان الجواب: «تجوز الهدنة مع الاعداء مطلقة وموقتة اذا رأى ولي الأمر المصلحة في ذلك؛ لقول الله سبحانه: «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم»، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلهما جميعاً، كما صالح أهل مكة على ترك الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وصالح كثيراً من قبائل العرب صلحاً مطلقاً، فلما فتح الله عليه مكة نبذ اليهم عهودهم؛ وأجل من لا عهد له أربعة أشهر، ولأن الحاجة والمصلحة الاسلامية قد تدعو الى الهدنة المطلقة ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط العلامة ابن القيم - رحمه الله - القول في ذلك في كتابه: (أحكام أهل الذمة)، واختار ذلك شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم. والله ولي التوفيق».
أذكر بأن الدنيا قد قامت على الشيخ بن باز ولم تقعد عندما أفتى بفتواه تلك، واعتبرها البعض ردة واستسلاماً للأعداء..
واليوم في ظل الأوضاع السائدة في فلسطين والضعف الذي لم تصله الأمة من قبل، فنحن لا نتساءل عن حكم المهادنة مع الكيان الصهيوني أو الصلح معه، ولكن نسأل الاخوة القائمين على حركة حماس في قطاع غزة عن الحكمة في توجيههم بضعة صواريخ - لا تأثير لها - ضد بعض اليهود في فلسطين وقتل شخص أو شخصين مقابل ما رأيناه من ردة الفعل العنيفة التي قام بها الكيان ضد المدنيين الابرياء خلال الايام الماضية، والمآسي التي خلفها ضدهم دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم؟!
وما هي الحكمة من التحرش بأولئك المجرمين ونحن نعلم علم اليقين بأن ردهم سيكون هكذا، وأن العالم سيؤيدهم ويناصرهم ويعتبر ما فعلوه دفاعاً عن النفس؟!
***
كم شعرت بالحزن وأنا استمع بالأمس لبعض قيادات حماس تحتفل باندحار العدو الاسرائيلي مهزوماً مطروداً من غزة يجر أذيال الفشل - كما صوروه - دون أن يحقق مراده، فإذا كان قتل مئة فلسطيني ابرياء وتدمير منازلهم يعتبرونه نصراً فما هي الهزيمة إذاً؟!
إن الحكمة مطلوبة من قيادات المسلمين في التعامل مع أعدائهم وقد شبعنا من الشعارات الجوفاء التي كان يرددها القادة العرب في الستينات والانتصارات المزعومة، ولم نكن نتوقعها ممن يحملون الراية الاسلامية، وقد ذكرت سابقاً بأن حماس قد فشلت منذ أن حاولت الجمع بين نقيضين لا يجتمعان، فهي دخلت وشاركت في الحكم، وفي الوقت نفسه اعتبرت نفسها حركة مقاومة وتصدت للعدو الصهيوني بأسلحتها البدائية، فانعكس ذلك على الشعب الذي يحتمي بها وناله أشد ألوان الابتلاءات دون أن تستطيع حمايته.
لقد شبعنا من التنديد بالعدو الصهيوني وجرائمه الوحشية وآن الاوان لكي ننادي العقلاء من قومنا بأن يتخذوا من التدابير ما يحقنون به دماء أبنائهم.
د. وائل الحساوي
[email protected]