مها بدر الدين / النظام السوري بين الإدانة الدولية والصمت العربي

تصغير
تكبير
ها هي الثورة السورية قد دخلت شهرها الرابع، حُصدت خلالها مئات الأرواح التي خلقها الله أحراراً، واكتظت معتقلات النظام السوري الفاشي بآلاف المعتقلين من مختلف الشرائح والأعمار، وذرفت الامهات الثكالى دموع الحزن والأسى على فقدان الأحباب وشحنت قلوب الآباء بموجات الغضب العارم والرغبة الشديدة في الانتقام والثأر.

وتفننت خلالها أجهزة الأمن السورية بتطبيق كل ما أسعفتها به خبرتها القمعية التي اكتسبتها عبر عقود طويلة من حكم النظام السوري المتمرس باغتصاب الحقوق وهتك الحرمات، حيث لم تفرق الآلة العسكرية والأمنية السورية في قمعها بين مواطن بالغ راشد يدرك المخاطر التي ستعترضه أثناء احتجاجه، وبين طفل صغير يحاكي الكبار في تصرفاتهم فيهتف تقليداً ويثور فطرياً، ولم تراع في معالجتها للأوضاع الاستثنائية في البلاد أي حقوق إنسانية نصت عليها الشرائع السماوية أو أقرتها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان.

وتعامل النظام السوري مع شعبه بالوصفة الليبية نفسها ولكن بنكهة سورية، فقد اتبع الأمن السوري سياسة (مدينة مدينة، بلدة بلدة) وحفظ السوريين الرواية المكررة في كل مرة يقرر فيها الأمن مهاجمة مدينة معينة، حيث تبدأ الرواية بالإعلان عن وجود عصابات مسلحة في المدينة المستهدفة تدفع الأهالي إلى طلب النجدة من الجيش والأمن الذي يتوجه بكل مقدراته لمحاصرة تلك المدينة وقصفها والتنكيل بأهلها بحجة حمايتهم من تلك الأشباح الوهمية التي سميت بالعصابات المسلحة، ويرافق هذه الرواية دعاية مكثفة وتهليل إعلامي لبطولات الأمن والجيش في قمع التمرد المسلح في المدينة المحاصرة، وقد حفظ الشعب السوري هذه الروايات عن ظهر قلب وأصبح يعرف بنوايا النظام ووجهة الأجهزة الأمنية مسبقاً لمجرد الإعلان عن اسم المدينة التي تتواجد بها تلك العصابات المسلحة الوهمية.

وتحت أنظار العالم كله لم يكتف النظام باستنفار جميع أجهزته الأمنية وقواته المسلحة بل وظف عصابات من المرتزقة التي تضم إلى جانب عصابات التهريب والقتل والدمار بعض العناصر الإيرانية التي استئجرت لقتل شعبنا من دون رحمة وكلهم تحت قيادة بعض الشخصيات النافذة جداً في دهاليز النظام، ولجأ أخيراً هذا النظام غير الشرعي إلى محاولة إخضاع الشعب وترهيبه باستخدام القصف الجوي لقصف تلك التجمعات والمظاهرات السلمية التي أصبحت المنبر الوحيد الذي يعبر فيه المواطن السوري عن تطلعاته ومتطلباته وحقه بالحرية والحياة الكريمة.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول الأوروبية والغربية لاستصدار قرارات تدين قمع النظام السوري لشعبه، في محاولة منها لردع هذا النظام عن تلك الممارسات القمعية والإبادة الجماعية والاعتقال التعسفي لأفراد الشعب السوري، نفاجأ بموقف الدول العربية شقيقة التراب والدين والمصير، وننصدم بصمت عربي قاتل يعطي الضوء الأخضر لعصابات النظام ورئيسه بالمضي قدماً في تعنتها وإجرامها وتوحي للنظام السوري بموافقتها الضمنية على أسلوبه القمعي في التعامل مع المتظاهرين وكأنهم يريدون بهذا إعطاء الدروس لشعوبهم وإقناعهم بالتزام الهدوء خوفاً من مواجهة نفس مصير الشعب السوري، وكأن سورية هذه بعيدة بما يكفي لعدم اهتمامهم وتدخلهم ولعدم التأثر والتأثير بمجريات الأحداث فيها، فخلال الأربعة شهور الماضية من التنكيل والدمار الذي ألم بالشعب السوري لم نسمع عن أي موقف عربي رسمي يدين هذه السياسات أو يدعو الرئيس لتهدئة الأمور، ولم ترد أخبار عن تحركات سرية لأي قيادة عربية تحاول التحرك والضغط على النظام لكف يده عن أطفال سورية وحرائرها بعد أن انتفضن لكرامتهن ومستقبل أبنائهن، ولم تظهر في الأفق أي أشارة إلى إمكانية استخدام أي من القادة العرب للعلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية مع الحكومة السورية لتخفيف وطأة الأحداث الدموية التي تشهدها الساحات السورية.

وكالعادة أثبتت الجامعة العربية مرة أخرى سلبيتها وعدم جدواها في حل المعضلات التي تعاني منها البلاد العربية، وعدم تدخلها في الشأن السوري يؤكد أنها مجرد جامعة للرؤساء العرب يجتمعون تحت قبتها ليدلو كل بدلوه الفارغ، ولعل موقفها المتباين من الأحداث في ليبيا وسوريا يدل على عدم وجود مبادئ أساسية أو رؤى واضحة لعمل هذه الجامعة غير الجامعة، فالوضع الليبي لا يختلف كثيراً عن الوضع في سورية حيث أن النظامين اختارا أسلوب القمع والقوة العسكرية لحكم الشعب، وعدد الضحايا في كلا البلدين بازدياد مستمر، والمدن والقرى والبيوت مستباحة لعناصر القتل والإبادة، فماذا تنتظر الجامعة العربية لتعلن موقفاً عادلاً تجاه الحالة السورية أم أنها تنتظر أن يتحول المتظاهرون السوريون السلميون إلى ثوار مسلحين كما حدث في ليبيا ليتفاقم الوضع أكثر ويصبح أكثر دموية.

ويبدو أن الموقف الرسمي للحكومات العربية قد أثر بدوره على شعوبها، فالموقف الشعبي العربي كان خجولاً ومخجلاً وباستثناء بعض التحركات الشعبية المشرفة هنا وهناك إلا أنها كانت آنية ولم تكن بالقوة الكافية التي تحفز حكوماتها لاتخاذ مواقف أكثر فعالية مع النظام السوري، خاصة وأن سورية كانت دوماً الحضن الكبير الذي احتضن جميع الشعوب العربية سواء بأفراحها أو أتراحها، وقد سجل التاريخ للشعب السوري الكثير من المواقف المشرفة تجاه الشعوب العربية التي ألمت المصائب ببعضها فكانت بيوت السوريون وقلوبهم مفتوحة على مصراعيها للأحبة العرب في ملماتهم وأزماتهم.

ان سورية اليوم جريحة ومستباحة وتحتاج لإغاثتها إلى المعتصم العربي أكثر من القرار الأممي، فهل من معتصم آخر يغيثها، أم أن زمن الأساطير قد ولى؟



مها بدر الدين

كاتبة سورية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي