بدر ناصر العتيبي / انحسار الكرم الكويتي

تصغير
تكبير

يثمن المواطن الكويتي الكريم لحكومته الكريمة خطواتها في دعم الدول الشقيقة والصديقة مادياً من خلال الهبات التي تمنحها بين الفينة والأخرى لبعض تلك الدول التي تتعرض إلى نوازل كارثية أحياناً، أو إقامة مشاريع تنموية، يحتاجها بعض مواطني تلك الدول من أشقاء وأصدقاء، فمن يفعل الخير لا يعدم جوازيه من دون شك، حتى لو كان بلداً عُرف أهله بالكرم قيادةً وحكومةً وشعباً كالكويت.

يجد المواطن الكويتي نفسه مضطراً للتقشف طواعية نتيجة الديون التي ترهق كاهله، والتي كثيراً ما تتوعده كشبح أقساط متأخرة، أو استقطاع شهري يتربص به على هيئة قروض استهلاكية، كان قد تورط بها بسبب الفاقة، وغيرها من متطلبات أخرى تستوجبها معطيات الحياة العصرية بتفاصيلها الدقيقة كافة التي حبسته رهن الوظيفة الحكومية وحرمته من ممارسة التجارة كبقية عباد الله بكل أريحية، ناهيك عن العمل الخاص الذي كان سيحتل مساحة شاسعة من وقته وراحته على حساب مصالح أخرى لا تقل أهمية.

فلقد جاءت الزيادة الأخيرة مخيبة للآمال من دون شك من خلال ما لمسناه من ردود أفعال لكثيرين من المواطنين والمواطنات على أكثر من صعيدٍ إعلامي ومنبرٍ مقروء ومرئي ومسموع، إذ كانت الدواوين جزءاً من هذه المنابر لولا القرار الأخير الذي يتوعد إزالتها في كل لحظة وحين، فمن المعروف أن مثل هذه الدواوين ساهمت إلى حدٍ كبير في إلغاء صفة البخل عن المواطن الكويتي الكريم من خلال توافر كل ما لذ وطاب من أطعمة كويتية شعبية و«كونتنينتال» وغيرها من أطباق عالمية يتفنن طباخو وطباخات الأسر الكويتية الكريمة على مر العصور والأزمان بإجادة صنعها عبر رصيد معلوماتي وفير يضاف إلى سيرهم الذاتية المتراكمة بتكدس في مكاتب استقدام العمالة المنزلية، رغبة باستجلابهم للعمل مرة أخرى في هذه الأرض الكريمة التي اعــــتادوا العيش بها ولو بعد أعوام على انتهاء إقاماتهم وسفرهم إلى بلدانهم، حاملين معهم ذكريات لا تنســـى لتلك الأيام الخوالي التي يســـتذكرونها بكرم لم نستغربه عليــــهم بكرم متبادل لزوم العشرة.

كما شكلت مثل هذه الدواوين جزءاً من الذائقة الثقافية العربية والعالمية، والتي تم تدوينها منذ زمن طويل في مرويات أخرى، تتغنى بدورها الإعلامي في ذيوع صيت الكويتيين والكويتيات بالكرم عبر أقلام أنصفت الكويت وأهلها بموضوعية تحسب لأصحابها، فالدواوين وإن كانت اسماً مرادفاً للكرم الكويتي الذي عهدناه إلا أنها حمالة أوجه أيضاً. فمنها الطيبة والخبيثة، ومنها النظامية والخارجة على القانون، ومنها ما تحفها الملائكة لوجود جلسات علم يذكر فيها اسم الله، ومنها ما هي أشبه بمساجد ضرار أخرى وغيرها. إلا أن الكرم الكويتي كان عنصر جذب واستدراج لروادها نخشى عليه أن يذهب أدراج الرياح نتيجة هبوب رياح الغلاء وارتفاع الأسعار التي لا تفرق بين سلع ديوانية الغرض منها الإبقاء على صورة المواطن الكويتي كريماً لا يبخل على ضيوفه، حتى ولو بالشاي والقهوة، وهذا أضعف الإيمان.


بدر ناصر العتيبي


كاتب ومهندس كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي