انتهت قمة لشبونة التي طال انتظارها بين الاتحادين الأوروبي والأفريقي إلى طريق مسدود، بقيام الأفارقة باتهام الأوروبيين بأنهم يزاحمون للدخول إلى الأسواق الأفريقية، بيد أن لغة القمة المنمقة قامت بحجب نقطة مهمة إلى حد كبير، وهي أن قارة أفريقيا سوف لن تحقق النمو على الإطلاق في الوقت الذي تقوم به حكومات دولها بفرض قيود على التجارة في ما بين دولها نفسها، سواء قام الاتحاد الأوروبي بالتعامل التجاري معها أم لم يقم.
وبالنسبة إلى الصادرات الأفريقية، فهي تسهم بما نسبته 2 في المئة فقط من التجارة العالمية، ولكن، حسب أرقام منظمة التجارة العالمية، فإن ما نسبته 10 في المئة فقط من هذه الصادرات تتم ضمن القارة الأفريقية. ومع ذلك، فإن ما نسبته 70 في المئة من التعرفات الجمركية التي يتم دفعها من قبل الأفارقة قد تم فرضها من قبل حكومات في دول أفريقية أخرى. وما يطغى على ذلك، هو أن تقوم حكومات دول صحارى أفريقيا، على الأرجح بمقدار ثلاثة أضعاف، بتطبيق حواجز غير جمركية أكثر مما هو عليه في دول غنية، حسبما تشير إليه أرقام البنك الدولي. وبموجب أرقام البنك الدولي، فإن إزالة تلك الحواجز قد يعمل على تعزيز التجارة ما بين الدول الأفريقية بنسبة تتجاوز 50 في المئة.
لا تعترض اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي هي موضع الجدل على الحواجز التجارية التي تحول دون حصول الشعوب الأفريقية على منتجات هم في أمس الحاجة إليها، كالأدوية أو الأسمدة. فعلى سبيل المثال، وحسب منظمة الصحة العالمية، قامت أثيوبيا بفرض ضرائب يصل إجمالها من 20 في المئة إلى 40 في المئة على الأدوية المستوردة، وهي في هذا الشكل تقوم بفرض ضريبة على المرضى. وعلى نحو مماثل، فإن الأسمدة المستوردة الرخيصة سوف تدر أغذية بدرجة أكبر وأكثر رخصاً. فإذا كانت الحكومات الأفريقية جادة بالنسبة إلى تلبية «أهداف التنمية الألفية»، فإن تحرير التجارة في هذه الأقاليم سوف لن يكون مجرد ضرورة اقتصادية بل واجباً أخلاقياً.
ومن ناحية أخرى، سيكون من الصعب تفكيك هذه الحواجز التجارية في الوقت الذي تقوم به مجموعات أصحاب النفوذ المحليين بالضغط بخصوص تطبيق مبدأ الحمائية. وتحت ذريعة «تشجيع بدائل محلية»، تمكن القطاع الزراعي في نيجيريا من الحصول على فرض حظر على مستوردات القمح والأرز والذرة والزيت النباتي، حتى وإن كانت تلك المواد المستوردة أكثر رخصاً إلى درجة كبيرة بالنسبة إلى 11 مليون نيجيري من المحرومين من التغذية الكاملة. ومع ذلك، فان هذا البلد العملاق مازال غير مكتفٍ ذاتياً بالنسبة إلى الغذاء بعد مضي ثلاثين عاماً من متابعة هذا الوهم.
وهناك مسألة الهواتف النقالة التي سوف تبين ما الذي يمكن أن يحدث من دون وجود الحمائية. ففي دول، مثل كينيا، وصلت الهواتف النقالة إلى الملايين، وكان ذلك على وجه الدقة بسبب عدم قيام الحكومة بالتلاعب في السوق من خلال فرض تعرفات جمركية وإعانات حمائية. وبناء عليه، قامت شركات أجنبية ومحلية بالتنافس في ما بينها بغرض نشر الشبكة بعيداً حتى إلى مناطق ريفية. وكانت الهواتف النقالة قد أعطت أصحاب المبادرة، بدءاً من المزارعين ولغاية سائقي سيارات الأجرة، صلاحية استخدامها للحصول على معلومات حقيقية وفورية عن الأسواق المحلية والفرص التجارية. وفي دراسة قامت بها جامعة لندن للأعمال أخيراً، تم الكشف عن أن مقابل كل عشرة أجهزة هواتف نقالة إضافية لكل 100 فرد، سيكون من الممكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6 في المئة سنوياً.
ولكن الحكومة الأثيوبية تفضل فلسفة «التجارة العادلة». فهي تعتقد بأن احتكار الدولة لـ«مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية الأثيوبية» سيكون بحاجة إلى بضعة أعوام أخرى من الحماية قبل أن يتم تحرير ذلك القطاع في العام 2010. ويأتي ذلك بعد عقود من الأعوام من عدم الفعالية والإخفاق التام والصريح في تقديم خطوط اتصالات ثابتة أو تقديم تغطية هاتفية نقالة إلى ما يزيد عن 1.2 في المئة من السكان، والذين هم مقيمون بشكل رئيسي في المدن.
إنه لأمر يدعو للسخرية بأن دولاً أفريقية تقوم حالياً بالاستدارة نحو الصين بغرض الاستثمار. وكانت الصين قد أمضت عقوداً من الأعوام في ملاحقة الحصول على اكتفاء ذاتي اقتصادي بيد أنها تقوم بتسريع الإصلاحات التجارية، وأن تخفيضاتها الهائلة الأحادية الجانب في تعرفتها الجمركية قد ولدت نمواً اقتصادياً قارب نسبة 9 في المئة سنوياً، أدت إلى جعل 400 مليون مواطن ينهضون بأنفسهم خروجاً من الفقر. وتعتبر الصين في الوقت الحالي ثاني أضخم اقتصاد في العالم.
إن تحرير الاقتصاد مع العالم الخارجي سوف يرفع الناتج المحلي الإجمالي الأفريقي بمقدار 120 مليار دولار سنويا، حسب نشرة «أكسفورد للتنبؤات الاقتصادية»، إلا أن السياسيين وأصحاب النفوذ يخشون من التنافس مع اقتصادات الدول المتطورة. ورغم ذلك، فإن تحرير التجارة البينية، بين الدول الأفريقية وحدها، سوف يعطي عائداً بمقدار الثلث الكامل من هذه المنافع، حسب ما أظهرته دراسة قام بها معهد «كيتو» للأبحاث في واشنطن.
إذا رغبت الدول الأفريقية في محاكاة نمو الصين، فإن عليها أن تحذو حذوها، وأن تتوقف عن تقديم «الدلال» إلى صناعاتها المحلية، وأن تزيل تعرفاتها الجمركية من جانب واحد. وفي حال قيامها بذلك، فإن الأفارقة سوف يثبتون أن اقتصاداتهم يمكن أن تنمو بسرعة نمو أي اقتصاد آخر.
أليك فان جلدر
باحث في شبكة السياسة الدولية في لندن، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org