نادين البدير / ماذا تعني الحرية؟

تصغير
تكبير
| نادين البدير |

لنطرح السؤال: ماذا تعني لكم الحرية؟

خلال مقالاتي الأخيرة حول الليبرالية تأكد لي أن مفهوم الحرية صار له أعداء كثيرون. ففي زمن عربي سابق كانت الحرية مرتبطة بنطاق سياسي عريض وبمعان واسعة كالثورة والتمرد على الظلم وإنهاء الاستعباد وتحقيق العدالة... إلى آخر تلك المفاهيم التي تداولتها أجيال عالمية اعتبرت أن الحصول على صك الحرية مطمع يستحق التضحية. لكن حدث أن انقلبت الأمور في الزوايا العربية المحافظة وصار للحرية معانٍ ضيقة مرتبطة بانحلال الأخلاق. بالبنات. بالتربية. بالصياعة.

تكتب عن الحرية فتصلك مخاوف الناس من الأمر الذي تقود إليه الحرية، يذكرونك بآيات القرآن، بتقاليد مجتمعك العريق وأعرافه الثابتة، يذكرونك بأنك مسلم فلا تنسى تعاليم نبيك.

أيام تظاهرات مصر وفيما كنا نتابع ما يحدث عبر التلفاز، فاجأتني قريبة شابة بقولها: تعلمون أن كل الذي نراه كفراً، الخروج عن الحاكم أيا كانت سلوكياته خروج عن طاعة الله.

أعداء الحرية هم الذين لا يعرفونها. الذين تعلموا أنها شرك أكبر، أنها عبث مخجل، تلقنوا تعاليم دراسية أسسها وكتبها ونشرها المسيطرون على التعريف. فنشأت أجيال (خاصة بين النساء) تفهم الحرية فهماً باطلاً يقرن الحرية بالخوف وانعدام الأمان وخسارة كل ضمانات الحياة الرغيدة، هذا هو الفهم الراهن بعدد من الدول الخليجية وللأسف منتشر بشكل لا يصدق في السعودية. وفهم العدد الأكبر من الناس به أن الانحراف عن التقليد عيب، والخروج عن عدد من الأقارب والمسؤولين وشيوخ الدين وخط لا نهاية له من الأشخاص كفر.

وعلى العكس في البلدان العربية التي تسودها الثورات، فإن نسبة من الناس بها ترى الحرية بإطارها السياسي فقط. ويتغاضى الناس عن حقيقة ارتباط الحريات السياسية بحرية الفرد داخل بيئته الاجتماعية الصغيرة، تغاضوا عن أن العدالة السياسية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية وأن الحريات العامة جزء مكمل للحريات الخاصة. تغاضوا عن أن مطلب الحرية الاجتماعية ليس برفاهية ولا هو بترف. إنما شرط أساسي لنيل الحرية السياسية.

الذين يطالبون بحرية سياسية وديموقراطية وعدالة ولا يؤمنون في ذات الوقت بضرورة أن يتمتع الفرد بحريته الخاصة جداً التي تتوقف عند حدود حريات الآخرين، هؤلاء ليسوا سوى أبناء الفكر السياسي العربي التقليدي الذي يعلم تماماً أن حرية الفرد الخاصة تؤدي لتقليص حرية الحاكم العامة وتحديد حدود صلاحياته. كما ويعلم ذاك الفكر أن حرية الفرد تعني وجود قانون يحمي تلك الحرية من أن يخدشها أحد ولو كان مسؤولاً كبيراً. هذا بالطبع يتعارض مع مطامحهم التي لا تتحقق إلا إذا ما تم حبس الأفراد بخندق وهمي اسمه حماية الشرف والأخلاق والعفة ليتفرغ أصحاب المطامح الكبار للشؤون السياسية الكبيرة.

يريدون حريات سياسية بالقدر الذي يوصلهم للسلطة فقط وعدا عن ذلك فلا شيء يفرقهم عن أي نظام راحل أو حالي.

أهم فعل ثوري يقوم به ثوار اليوم هو تغيير مناهج التعليم التي خلت لعقود من تعاريف حقيقية للحريات واحتوت طرحاً مزيفاً عن الإبداع. على التعليم أن يرجع للكلمة تعريفها الصحيح، أن ينفض عنها الخديعة التي أحلت بها وحولتها لرمز الإثم حتى غدا التعريف: أن تكون حراً يعني أن تصبح منحلاً. وأن تتحرري يعني أن تخسري شرفك وتحلي ضيفة ليلية على البارات.

مهم أن تحوي مناهج التعليم قصصا عن العبيد القدامى، عن حكاية الإنسان مع الحرية. عن تضحيات الشعوب لأجل الحرية. عن مناضلات الحركات النسوية القديمة.

مهم أن يفهم الطالب أن الاحترام مقترن بالحرية، وأن تفهم الطالبة بأن احترام المرأة لا يكون بالالتزام بالتقليد فقط أو بحفظها في معلب وكأنها غير مكتملة النمو، بل يكون باحترامها ومنحها حرية تقرير مصيرها. هكذا يغدو منطقياً أن يفكر كلا الجنسين بالمشاركة السياسية في بلد تتحول الحرية به إلى ثقافة وحياة، وليس مجرد مطلب تافه يطرحه المعارضون والمنفيون كطقس خطابي متوارث في ساحة المعارضة لبلوغ غايتهم رغم رأيهم الواضح المستنكر للحريات الاجتماعية ورغم اعتبارهم لمسألة تحييد دور المرأة وخنقها جزءا من تقاليد العرب اللاحياد عنها.

كيف تمنح الحق في انتخاب حاكم وليس من حقك اختيار مستقبلك؟

ومنذ متى كان للحرية معايير ورؤى سياسية وجنس يتمتع بها دون الآخر؟





كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي