د. ياسر الصالح / من واقع الحال / وأيضاً.. لولا قناة «الجزيرة»

تصغير
تكبير
امتدحنا في مقال سابق أربعة مواقف بالتحديد كان لتغطية قناة «الجزيرة» دور إيجابي كبير في نتائجها: ثورتي تونس ومصر، وحربي غزة ولبنان الأخيرتين، وفي هذا المقال سوف نكتب عن حدث في الساحة العربية كان لسكوت هذه القناة الاخبارية، ضمن قنوات أخرى، دور سلبي جداً في نتائجه حيث نعتقد أن هذا السكوت قد أسهم بشكل كبير في حدوث جرائم متمادية أدت إلى قتل وإسالة دماء لأبرياء مسالمين عزل كان يمكن تجنبها بدرجة كبيرة لو أن قناة «الجزيرة» قامت بتغطية هذا الحدث بطريقة حرفية ولو من دون انحياز كما كان الحال مع ثورتي تونس ومصر.

في المأثور الديني «الساكت عن الحق شيطان أخرس» وفي القانون الجزائي من رأى جريمة ولم يبلغ عنها فهو مذنب، وإنسانياً وشرعياً فإن الوقوف مع الحق والمظلوم أمر مطلوب وواجب، أما من الناحية المهنية الصحافية فلا يمكن تبرير تجاهل جرائم ضد الإنسانية من قمع وإسالة الدماء والقتل تماماً كالأمور التي حدثت في تونس ومصر.

لماذا إذا تتجاهل قناة «الجزيرة» وقنوات إخبارية أخرى غالبيتها خليجية أحداثاً بعينها دون أحداث أخرى متشابهة معها لدرجة التطابق في جوانب كثيرة؟ هذا السؤال يطرح بقوة هذه الأيام من قبل الشارع العربي الذي منح لقناة «الجزيرة» درجة عالية من المصداقية وتبنى بدرجة كبيرة شعار القناة «منبر من لا منبر له».

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج لمقدمة بسيطة وقصيرة: فإنه من المقبول والمشروع والمتعارف عليه أن تتبنى الدول إنشاء مؤسسات إعلامية خبرية وإخبارية تكون جزءاً من أدواتها في سعيها لتحقيق مصالحها، ولذلك فكثيراً ما يتم ربط هذه المؤسسات الأدوات بوزارات الخارجية في هذه الدول لتكون إحدى أذرعها أو قد يتم كذلك ربطها بأجهزة الاستخبارات الخارجية.

بعض الدول تستخدم كذلك هذه المؤسسات والمحطات في تنفيذ الأجندة الداخلية المحلية للحكم، ففي هذه الحالة يتم ربطها كذلك بوزارة الداخلية وأجهزة المخابرات المعنية بالشأن الداخلي، وهذا الأمر ليس موجوداً في الدول العربية فقط بل وجوده في الدول الغربية الاستعمارية أسبق بكثير.

إن أقوى وأنجح القنوات الإخبارية العربية مملوكة لدول خليجية ومنها قناة «الجزيرة»، وبحكم كون هذه القنوات حكومية المنشأ والتمويل فهي بلا شك تسعى لتعظيم مصالح هذه الدول ضمن السياسات التي تتبناها هذه الدول، وإلى هذا الحد فالأمر منطقي ومفهوم وإلا كان ما يصرف على هذه القنوات يعتبر إهداراً للمال العام في هذه الدول وتعديا على أموال الشعب فيها.

ليس في ما وصفناه وذكرناه من تبعية هذه القنوات لحكومات المنشأ والتمويل منقصة من ناحية المبدأ ولكن التطبيق العملي لوجود هذا النوع من القنوات في واقعنا الحالي أفرز سلبيات ومناقص وهي تكمن في جانبين: الأول يتمثل في أن هذه القنوات تدعي الحيادية والاستقلالية وهو أمر غير صحيح، أما الجانب الثاني، والذي يمثل السلبية والمنقصة الأكبر فيتجلى في تصديق الجمهور لهذا الإدعاء وهو أمر جد خطير على تكون الرأي العام العربي، لذلك فإنه ينبغي التصدي لكشفه وتوضيحه لعموم الجمهور المتابع المتلقي للرسالة الإعلامية التي تبثها هذه القنوات، ويقع على المثقفين والكتاب والناشطين توضيح هذا الأمر للجمهور وتنبيهه حتى لا يتم استغلاله ويتكوين لديه رأي عام مبني على فرضية خاطئة وهي حيادية واستقلالية القناة، ومكمن الخطورة يكون في قدرة هذا النوع من القنوات على توجيه الساحة السياسية العربية في اتجاهات مصالح الدول المالكة للقنوات والتي بدورها قد تكون مرتبطة بأجندات حلفائها الغربيين.

ضمن ما ينبغي التنبيه له في هذا المجال هو عدم اعتبار الأشخاص المقدمين «المذيعين» في هذه المحطات أبطالاً عندما يتصدون لتحدي بعض الرموز الفاسدة وغير المقبولة في الساحة العربية الشعبية، فهؤلاء ليسوا إلا موظفين حكوميين ينفذون أجندة القناة المرتبطة بأجندة البلد المالك لها، ولذلك فإننا لم نسمع عن أي استقالات أو اعتراضات علنية منهم رافضة لسياسة الصمت المطبق التي تتبناها قناة «الجزيرة» في مقابل جرائم يتم ارتكابها ويهم الجمهور العربي متابعتها..

كما أننا كتبنا بإيجابية في السابق عن المواقف الإيجابية لقناة «الجزيرة»، نكتب حالياً عن المواقف السلبية لهذه القناة وذلك لنوضح للجمهور العربي والخليجي الخلفيات التي يتم على اساسها اتخاذ قرارات التغطية الاعلامية وذلك حتى يستطيع هذا الجمهور تشخيص الواقع كما هو ويقوم بعملية تقييم صحيحة بموضوعية للقناة والخبر والتحليل مستحضراً في ذهنه خلال كل ذلك من يقف خلفها وما هي أجندته.

إننا عايشنا الكم الهائل من الاحباط الذي أصاب جزءاً كبيراً من الجمهور العربي بسبب ما كان يتعشمه من المبدئية والموضوعية والحيادية وتوحيد المعايير والحرفية من هذه القناة...وقد خاب عشمه.



د. ياسر الصالح

كاتب وأكاديمي كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي