من وحي الشارع / مسخ الغضب

u062bu0631u064au0627 u0627u0644u0628u0642u0635u0645u064a
ثريا البقصمي
تصغير
تكبير
| ثريا البقصمي |

الغضب يفقد الإنسان جماله ويحوله إلى مسخ.

وقد رأيت ذلك المسخ منتصبا ً أمامي، يرغي ويزبد ويغلي مثل قدر جدتي! وكان ذلك عندما أقمت معرضا ً في مدينة «داكار» بالسنغال في عام 1982.**

والرجل الذي حتى هذه اللحظة أجهل اسمه، كان طويلاً، عريضا ً، يفصـّـل ثلاثةً من حجمي، وكان الزائر الوحيد في صباح ذلك اليوم، أحرقني بنظراته الغاضبة، وبصوت كأنه خرج من بئر مهجور.

قال: « أين هي اللوحة التي انتظرتها؟ أنت فنانة فاشلة، لأنك لم ترسمي صورة زعيمي المحبوب القذافي بطل الأمة وقاهر الاستعمار!».

ودافعت عن قدراتي الفنية عندما بررت له سبب غياب صورة الزعيم، بأن رسام الزعماء يشبه رسام البلاط أيام السلاطين، وأنا رسامة شعبية، وللبلاط فنانون خاصون به! وانفجر في وجهي مثل عبوة ناسفة « إنّ من منحك لقب فنانة يحتاج رصاصة تسحق رأسه، سأعرج غدا ً على معرضك وأريد أن تكون صورة زعيمي المحبوب القذافي هنا في الصدارة، وألقى على المكتب صورة فوتوغرافية للزعيم القذافي، ونهرني من جديد «خذيها... إنها هدية لك... اسهري الليل في رسمها، وإن لم تفعلي فإني سأغضب وغضبي شنيع وفضيع!».

وبعدها أخذ يهرول في قاعة المعرض وهو يهتف «يعيش يا... يعيش الزعيم القذافي يا... يعيش البطل المنتصر القذافي». وأكمل هتافاته حتى تلقـّفه الشارع، ولحسن حظي كان ذلك هو آخر يوم من معرضي. جمعت لوحاتي ورحلت تاركة ورائي صورة الزعيم تنتظر فنانا ً آخر يكتشف روعتها وعظمتها التي حولت إنسانا ً إلى مسخ من شدة الحب والانبهار!



* كاتبة وفنانة تشكيلية

g_gallery1@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي