من عيون الأدب / ما بين الشابي و الرفاعي

تصغير
تكبير
| فهد حمود الحيص |

أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي المشهور صاحب قصيدة «إذا الشعب يوماً أراد الحياة»، وافته المنية عن عمر لا يتجاوز الخامسة والعشرين عاماً، ومثله توفي هاشم الرفاعي الشاعر المصري ليكونا امتدادا للشاعر طرفة بن العبد والذي أيضاً توفي شاباً وهو الذي يقول:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدد

وإن كانت الظروف التحررية قبل نشوء الدولة ساهمت بشكل كبير في شهرة الشابي، فإن ذات الظروف ساهمت بشكل أكبر في تغييب شعر الرفاعي، إذ كان امتداد حياته ما بين 1935 - 1959 وفي قصيدته المسماة «رسالة في ليلة التنفيذ» وصف لما يراه من ظلم في تلك الفترة، مما كان له الأثر كبير في استمرار عدم بروزه... بدأ الرفاعي قصيدته برسالة في ليلة تنفيذ حكم الإعدام عليه واصفاً حاله و واصفاً السجن، الذي اختلط فيه دمع السجين مع دم الشهيد والنافذة التي يطل منها ليرى الوجوم يخيم على المكان، متمنياً أن يكون في تاريخ أمته بطل لا خائن مذكراً أباه، أنه من زرع فيه حب الوطن و إن ابنه قد سيق نحو الموت غير مدان بجرم و لا خيانة.

يقول في بداية القصيدة:

أبَتَاهُ ماذا قد يخطُّ بناني

والحبلُ والجلاَّد منتظرانِ

هذا الكتاب إليكَ من زنزانةٍ

مقرورة صخريَّة الجدرانِ

إلى أن يقول:

وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها

معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ

قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً

في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ

فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً

ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ

نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو

كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني

وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ : ما الَّذي

بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟

أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى

مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟!

ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما

غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟

هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً

ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ

وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ

سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ

وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ

مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني

إلى آخر القصيدة، وكأنها امتداد لقول الشابي، إذا الشعب يوماً أراد الحياة في وصف إرادة الشعب، فيكون الرد من الرفاعي في تجسيد تجربة شخصية لفرد من الجتمع، يهوى الحياة كريمة لا قيد فيها و لا استخفاف بالانسان.



* كاتب ومهندس

fhh_@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي