نادين البدير / «وطني ليس حقيبة»

تصغير
تكبير
| نادين البدير |

أكتب عن ثورات العالم العربي. أكتب عن مصر. ليبيا. تونس. اليمن. وأكتب عن السعودية من زاوية أخرى.

الجميع يحكي عن الإصلاح، الشعوب تتجرأ وتطالب والحكومات تنصت بحذر، للمرة الأولى تعلم أن لشعوبها صوتاً وأن حركة فيزيوكيميائية تنتج عن هذا الصوت فتنقله للشوارع ببساطة لتنيرها وتشعل ركودها، للمرة الأولى تسمع الحكومات أصوات أبنائها مصطلح (كالإصلاح التدريجي) لم يعد له مكان بزمن النور والتغيير.

الإصلاح الفوري مطلوب ولا خوف على الشعوب من وهم الصدمة الإصلاحية فالطامة الحقيقة كانت بالسكوت عن الفساد وتأجيل العلاج بحجة أن الشعب غير مؤهل وكأن أفراده أطفالاً بلغوا من الجهل والتخلف مبلغاً كبيراً، تفصلهم عن حكوماتهم المتقدمة الجادة في التغيير آلاف من سنوات وعصور الظلام، عدا عن الصحة والتعليم والفقر والديكتاتورية والفساد بمختلف أنواعه، هناك الفساد الأكبر الذي أعتبره دعامة من دعامات الحكم في العالم العربي. القبلية والطائفية والعائلية والمناطقية التي أصروا على إقحامنا بها، ومارسناها بجدارة لأننا في النهاية عرب فرحون معتزون بأصولنا وجذورنا وتباهينا على الخلق بالحسب والنسب والدين

التفرقة الطائفية والعنصرية أدت لتمييع مفهوم المواطنة وعدم وضوحه. حتى أن تعريف هذا المفهوم لا وجود له بالقاموس السياسي العربي ولا وجود له بقاموس أي وطن، لا أعلم إن كان عدم الاستقرار السياسي والخوف من المجهول وعدم الثقة في الأنظمة هو السبب، لكن النتيجة الواحدة هي أن أفراد العالم العربي بحثوا عن أوطان بديلة غير التي اتفقت عليها خرائط بريطانيا وفرنسا، وجدوا أوطانهم الجديدة في أماكن عدة، كل بحسب ما يجد ملاذه وأمانه. في لبنان الطائفية تغني أبناءها عن الوطن اللبناني. وفي مصر اشتعلت بين المسلمين والأقباط. في ليبيا هناك حديث بأن الشرق هو أصل الثورة. الأردن بلد العشائر بجدارة. السعودية والخليج تهددهما القبلية بطريقة مرعبة وهكذا دواليك الآن. هل ستقوم الحكومات بمعالجة الفساد من وجهة نظرها الخاصة أم من وجهة نظر الوطن؟

يرى أهالي المنطقة الوسطى في السعودية (نجد) أنهم يحتلون مرتبة عالية تنزههم عن بقية المواطنين المنتمين لشمال وجنوب وغرب السعودية. ويعتقد أهالي الحجاز أنهم متحضرون متقدمون على من يسمونهم بـ (البدو) من دون أدنى معرفة للمقصود بالبدوي، أما أهالي الجنوب فبنظر البقية دخلاء بحكم انتمائهم لليمن قبل توحيد السعودية. ويطلق عليهم تهكماً (07) وهو الرمز الهاتفي للمنطقة الجنوبية،

هناك الأفراد الأصليون والفرعيون وهناك المنبوذون بصفة عامة، هناك تصنيف داخلي يفرق بين المواطنين ويقسمهم لطبقات. أساس التقسيم هو النسب والدين. بالنسبة للنسب فتستخدم قوة الكهرباء للسخرية وليقيم بها الأفراد بعضهم البعض... هناك تصنيف (220 فولت) ويرجع أبناء هذا التصنيف لأصول قبلية، وهم تقريباً المواطنون درجة أولى في البلاد. وهناك تصنيف (110 فولت) وهؤلاء يعودون لأصل (خضيري) ولا ينتمون فعلياً لقبيلة عريقة وهناك الصناع والصلب غير معروفي الأصل. ثم هناك (طرش البحر) الذين أتوا من مختلف المعمورة إلى بلاد الحجاز الواقعة على البحر الأحمر منذ مئات السنين للحج والتجارة وعاشوا بها واستوطنوها وامتلكوا جنسيات محلية بعد الوحدة السعودية. هؤلاء يُنظر إليهم بشيء من الشك كونهم لا يرجعون لأصول عدنانية وكون المنتمين للداخل أفضل سكان العالم، فكان أن تحول اسمهم إلى (حج ولم يعد)، والأخيرون ليسوا بأفضل حال فكما ذكرت هم بدورهم يصنفون جميع أبناء المناطق الأخرى (بدوان) متخلفين تصعب مخالطتهم ويستحيل التعاطي معهم.

حين قام الملك عبدالعزيز آل سعود بتوحيد الأراضي والقبائل وضمها في إطار واحد أطلق عليه مملكة نجد والحجاز ثم تغير مسماه ليصبح المسمى الحالي (المملكة العربية السعودية) قيل إنه تمكن من تحقيق التوحيد السياسي بجدارة، لكن لا يبدو أن التوحيد الاجتماعي قد تحقق أبداً. ولم يكن الانصهار السياسي دافعاً لتحقيق الانصهار العاطفي الوطني بين القبائل والمناطق ولو تم الإبقاء على اختلاف الثقافات في ما بينها، فحتى التزاوج يصعب بكثير من الأحيان بين أفراد المناطق المختلفة بل ويبدو معقداً. فالقبيلي لا يزوج ابنته لخضيري وإن كانا يعيشان بنفس المكان وينتميان لذات المنطقة. وقد حدثت قصة شهيرة قبل سنوات وهي شكوى رفعها أشقاء زوجة أمام قاض من أجل التفرقة بينها وبين زوجها بحجة عدم تكافؤهما في النسب، فكان أن حكم القاضي بتطليقها من زوجها رغم أن لديهما عددا من الأطفال وتم الطلاق. هذا شيء من الفرقة، يمكنك رؤيته أينما ذهبت. تكتلات عنصرية غير رسمية داخل المؤسسات العامة والخاصة، محاباة، نظرة دونية للآخر، مجتمع مفكك غير ملتحم بغض وتنافر واستعلاء وتكفير... تلك هي مشاعر أبناء الوطن تجاه بعضهم ما سبب هذا التعلق بالمنطقة والأصل، بماذا أشعر حين أقول أنا سعودية؟ وكيف أشعر حين أعلن عن قبيلتي؟ أيهما أكثر زهواً وانتصاراً؟

وبأيهما يثق الفرد: بالدولة أم بالقبيلة؟ بالوطن أم القبيلة؟

هل نحن متكاتفون؟ أم متباعدون بانتظار من يعلن لحظة الانهيار الأخير؟

ليس هناك أي حديث عن أهمية التلاحم والوفاق وإنهاء العنصرية والجهل، أشد الجهل مزايين الإبل، وهي مسابقات تجرى لانتخاب ملكة جمال الإبل التابعة للقبائل، ليتكرس التعصب القبلي بطريقة بدائية جداً وليزيد الكره دون أن نشعر به. هل سيحكى عن إصلاح هذا السقوط؟

هل نحن مواطنون؟ وهل مواطنتنا واضحة؟ وهل مطالبنا الإصلاحية واضحة إن كان تعريفنا لبعضنا ناقصاً ومختلاً؟

لو قمنا بإجراء مسح شامل حول مفهوم المواطنة من الخليج إلى المحيط، لوجدنا أن غالبية التعاريف ستدور حول المواطنة بصفتها إعانات حكومية وأغذية وأدوية ورواتب عالية وأموال وفيرة ووظائف كثيرة وأسعار زهيدة، فهل هذه هي المواطنة التي نحلم بها وتحلم بها الأوطان؟

هل المواطنة منفعة مادية وعلاقة اقتصادية بحتة؟ هل هي علاقة مصالح بين الفرد والنظام أم أكثر من ذلك وأبعد نحو روابط قوية من الحب والترابط والتواضع والتضحية «وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافراً» محمود درويش.





كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي