د. علي عبد الله جمال / احذروا... «رائحة الثمانينات»

تصغير
تكبير

إنه مشهد شبيه بما حضَرْته طفلاً ولم أعه إلا بعد حين، رائحة نتنة، سمعت وقرأت عنها ودعوت الله ألا أجبر على استنشاقها في وطني الذي أرى العزة بين حبيبات رمله وترابه، وأتنفس الكرامة وأنا أقف عند شاطئ أمانه.

فما لك يا كابوس الثمانينيات تراودنا مجدداً، وما لأولئك الأشباح الذين صفّقوا وهللوا وكبروا لصدام، والذين أسموا أبناءهم باسمه، وبدّلوا الاسم لاحقاً، كما يغيرون ملابسهم، يعودون مجدداً للنيل من وحدتنا الوطنية.

ألم يتدبروا التاريخ جيداً، أم أنهم أغمضوا أعينهم عن تضحيات أبناء هذه الأرض ووقوفهم صفاً واحداً في وجه صدام، بينما كانوا هم أنفسهم ينهبون خيرات وطننا المسلوب منذ الساعة الأولى للغزو الصدامي؟ أم تراهم يعتقدون أن الوقت قد حان لينتقموا ممن فضح ممارساتهم؟ نعم، لا نختلف على تجريم العصابة التي قامت باختطاف «الجابرية»، وما تبع ذلك من استشهاد كويتيين اثنين، وتجريم كل من يتآمر على هذا البلد. ولا نقصد هنا «الشخص الذي تدور حوله الشبهات»، كما جاء في البيان الحكومي، بل نقصد الفاعل الحقيقي أياً كان، والذي أراد البعض له أن يُدفن تحت غبار النسيان! فالطلاسم التي صرّح بها الوزير الحجي، وللأسف، لا تُداوي داء «الخَرس» الذي أصاب حكومتنا منذ اختطاف الجابرية ولعقدين من الزمان! فلم نرَ تصريحاً صريحاً ولا صحيفة إدانة ولا مطالبة قضائية محلية كانت أو دولية! فحكومتنا لم تُفعل اتفاقيات طوكيو عام 1963 والخاصة بالجرائم التي ترتكب على متن الطائرات، واتفاقية لاهاي عام 1970 في شأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات، أو اتفاقية مونتريال عام 1971 الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني.

من جهة أخرى، كما نطالب بمعرفة ومعاقبة من روّع وقتل ركاب الجابرية وتفعيل القانون ضده، نطالب كذلك بمعاقبة كل من صدح وردح وصفّق ورقص لصدام، وما نتج عن ذلك من غزو وتهجير وسلب وتعذيب والمئات من الشهداء والثكالى والأرامل والأيتام. فتاريخ 2 أغسطس 1990 لا «يجُب» كل ما حدث قبله!

في الختام، نحن أبناء الكويت، لا نحتاج اليوم ولا غداً، كما لم نحتج بالأمس إلى أحرف نجمعها ونصيغ منها كلمات وجُملا نُظهر من خلالها الحب والولاء، ولسنا مضطرين لاستجداء صكوك الولاء من أحد كان، فدماء أهلنا، أهل الكويت، التي انسكبت على هذه الأرض من معركة هدية إلى ملحمة الجهراء إلى الغزو الصدامي أكبر وأشرف وأنقى وأطهر من أن يجمعها مقام أو مقال.


 

د. علي عبد الله جمال


طبيب وكاتب كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي