من خلال بيان كاذب ومضلل حاول إيهام الرأي العام بأنه لم يكن وزيرا عند التوقيع

«مؤسسة البترول» تحاول إبعاد العبدالله عن فضيحة عقد «شل»... وإلصاقها بآخرين

تصغير
تكبير
توالت فضيحة منح عقد الخدمات الاستشارية لشركة «شل» بقيمة 800 مليون دولار لتعزيز انتاج الغاز الحر، فصولا مع اصدار مؤسسة البترول الكويتية بيانا يقول ان العقد لم يتم في وزير النفط الحالي احمد العبد الله، وانما في عهد الادارة السابقة وعلى ايام وزراء سابقين، وهو ما يجافي الحقيقة اذ ان العقد وقع في 16 فبراير 2010، بينما عين العبد الله وزيرا للنفط في مايو 2009، بعد انتخابات مجلس الامة.

وينطوي بيان مؤسسة البترول الصادر على لسان مصدر مسؤول في المؤسسة والمنشور في الصفحة الاولى من الزميلة جريدة «الوطن» الغراء في عددها الصادر الاربعاء في 9 مارس الجاري، على محاولة لايهام مجلس الامة والرأي العام بأن العبد الله لا علاقة له بالموضوع كونه لم يحصل في ايامه، ما يعني اما توريط الوزير محمد الصباح واما الوزير محمد العليم اللذين توليا الوزارة قبله مباشرة.

وقد انتظرت «الراي» اربعة ايام للتأكد من صحة بيان مؤسسة البترول، فلم تنفه المؤسسة، ما يؤكد صحته.

ويعني هذا التضليل الذي تمارسه مؤسسة البترول في محاولتها لابعاد المسؤولية عن العبدالله ان مجلس الوزراء بات على المحك، فهو اما ان يحاسب الوزير وإما ان يتحمل مسؤولية اهدار المال العام وتقديم بيانات مضللة وغير صحيحة، نتيجة توقيع العقد الذي يخالف كل قوانين ولوائح ترسية العقود، واما مواجهة الرأي العام بالتستر على سرقة المال العام.

مع ذلك يعتبر بيان المصدر المسؤول اقرارا ضمنيا بان العقد يشكل فضيحة، بدليل محاولة ابعاد الوزير عنه، كما يكشف مدى الاستهتار الذي تتعامل به مؤسسة البترول مع القضايا المتعلقة بالاموال العامة، فهي غير مهتمة بالاموال المهدورة، وانما فقط بحماية رئيس مجلس ادارتها ووزيرها.

في كل الاحوال احمد العبد الله هو رئيس مجلس ادارة مؤسسة البترول ويتحمل مسؤولية كاملة ومباشرة عن هذا العقد الفضيحة، حتى لو من باب التقصير والاهمال، والا ماذا يفعل في الوزارة؟ وما نفع وجوده فيها؟

لا بد من التذكير بان المخالفات الجسيمة التي ارتكبت في منح العقد والنتائج العكسية التي جاء بها، حيث انخفض انتاج الغاز الحر بدل ان يزيد، تشير الى ان العقد قد دُبّر في ليل وان هناك مستفيدين منه، اذ ليس من المعقول ان يكون من ارتكب هذه المخالفات ومن تستر عليها، قد فعل ذلك فقط كرمى لعيون شركة «شل».

ويبقى الكشف عن ملابسات توقيع هذا العقد والمتنفعين به رهنا بتحقيق نزيه وشفاف تجريه الحكومة لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المتورطين، على ان اجراء يجب ان يسبق ذلك كما يحصل عادة في الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها وهو استقالة او اقالة الوزير، تمهيدا لاجراء التحقيق.

وهذا هو بالضبط مغزى الغضب النيابي الذي اعقب كشف «الراي» عن الفضيحة، حيث تعهد عدد كبير من النواب بالمضي في هذا الملف حتى النهاية لفضح كل المتورطين في هذا العقد وغيره من العقود المشبوهة، في حين تعهد نواب اخرون بتشكيل لجنة تحقيق نيابية للوصول الى الحقيقة الكاملة في هذا الموضوع.

بالعودة الى تفاصيل مخالفات «نفط الكويت» في هذا العقد، يتبين ان الشركة قفزت من فوق ديوان المحاسبة وملاحظاته قبل توقيع العقد وبعده، كما ارتكبت سلسلة طويلة من المخالفات الواضحة التي لا يمكن الا ان تكون مقصودة.

واكثر من ذلك، ما زالت «نفط الكويت» تمعن في ارتكاب المخالفة حتى الان، كون العقد المستمر لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، حقق نتائج عكسية في السنة الاولى من تطبيقه حيث هبط انتاج الغاز الحر بنسب معتبرة (الى 120 مليون متر مكعب يوميا) فيما كان محددا له ان يرتفع الى مستويات متفق عليها مع تطبيق العقد (175 مليون متر مكعب يوميا في السنة الاولى من الخطة)، ولم ترجع «نفط الكويت» على شركة «شل» لمساءلتها عن عجزها في الوفاء بمتطلبات العقد وهو رفع انتاج الغاز الحر الى بصورة تصاعدية كما هو محدد في الاتفاقية.

سلسلة المخالفات التي ارتكبتها «نفط الكويت» تبدأ من مخالفتها المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 بانشاء مؤسسة البترول الكويتية والتي تقول في البند الخامس منها ان المجلس الاعلى للبترول هو يتولى تنظيم مناقصات وممارسات المؤسسة، فهل اقر المجلس الاعلى للبترول هذا العقد او حتى علم به؟

كما يخالف العقد البند الاول من المادة الثانية من اللائحة المالية لمؤسسة البترول الكويتية المعتمدة من المجلس الاعلى للبترول بمحضر اجتماعه بتاريخ 5-9-2005، والتي تضم الاحكام ذات الصفة المالية الواجبة التطبيق في المؤسسة والشركات المملوكة لها بالكامل وتفيد بانه لا يجوز استثناء من هذه الاحكام الا بقرار من المجلس الاعلى للبترول.

العقد كذلك يخالف النظام الذي استندت اليه «نفط الكويت» في منحه وهو النظام الخاص بالتعاقد على تقديم خدمات استشارية لمؤسسة البترول الكويتية المرفق بالقرار رقم 1 لسنة 2006 والصادر عن الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية في الخامس من يناير 2006.

فالشركة تقول في ردها على ملاحظات ديوان المحاسبة الذي اشار الى استمرار قيامها بالاعتماد على نظام التعاقد على الخدمات الاستشارية بالمخالفة للمادة 16 من المرسوم بقانون انشاء مؤسسة البترول: «نود الافادة كما اوضحنا في ما يتعلق بالقرار رقم 1 لسنة 2006، فانه لم يصدر كلائحة يترتب عليها حقوق والتزامات، وانما صدر كقرار اداري تنظيمي بموجب صلاحية الرئيس التنفيذي لتوجيه الاعضاء المنتدبين التابعين لنطاق اشرافه، وذلك لتنظيم العقود الاستشارية لحين انشاء دائرة العقود المنصوص عليها في القرار المذكور». الشركة اعتبرت ان هذا النظام يعفيها من اي مساءلة ويطلق يدها في ما يتعلق بالعقود، بينما الحقيقة انه يلزمها بطلب موافقة ديوان المحاسبة المسبقة وعرض التوصية بترسية مشروع الخدمة الاستشارية المطلوبة على ادارة الفتوى والتشريع في مجلس الوزراء قبل عرضه على اللجنة العليا للمناقصات لمؤسسة البترول وشركاتها التابعة، في حال تجاوز القيمة التقديرية للعقد 250 الف دينار. فهل فعلت الشركة ذلك؟ الجواب لا، لأن ديوان المحاسبة نفسه هو من يقول ان الشركة خالفت هذا البند.

ويذهب ديوان المحاسبة الى ابعد من ذلك حين يقول ان قرار وزير الطاقة رئيس مجلس ادارة مؤسسة البترول والذي نص على اختصاصات الرئيس التنفيذي للمؤسسة على سبيل الحصر لم يشر او يتضمن منحه صلاحية اصدار اللوائح والانظمة الداخلية الامر الذي يتبين منه ان نظام التعاقد على الخدمات الاستشارية معيب لصدوره من سلطة غير مختصة. ما يعني ان النظام المشار اليه لا يفي بالمتطلبات القانونية لمنح العقود حتى اذا تم الالتزام به بالكامل، فكيف اذا خالفته الشركة كل هذه المخالفات؟

اهملت مؤسسة البترول (نفط الكويت) كليا في ردها التفصيلي المطول على ملاحظات ديوان المحاسبة على عقودها الاشارة الى عقد شل بالتحديد، رغم ضخامته ورغم ان الديوان افرد له حيزا واسعا في تقريره عن عقود القطاع النفطي للسنة المالية 2009 /2010.

وتجاهلت المؤسسة تماما الرد على طلب الديوان تزويده بالمستندات التي تبرر منح العقد بالامر المباشر، ومن دون استدراج عروض، بالمخالفة لقوانين العقود. لماذا؟

اهملت المؤسسة اللائحة المالية التي اقرها مجلس ادارة مؤسسة البترول في 3 /5 /2005 والتي اعتمدها المجلس الاعلى للبترول بتاريخ 5 /9 /2005 وتضم في مادتها الاولى الاحكام ذات الصفة المالية الواجبة التطبيق في المؤسسة والشركات التابعة لها المسجلة والعاملة في الكويت المملوكة لها بالكامل. ولا يجوز الاستثناء من هذه الاحكام الا بقرار من المجلس الاعلى للبترول.

هل تم استثناء عقد «شل» من الاحكام ذات الصفة المالية الواجبة التطبيق بقرار من المجلس الاعلى للبترول؟ «نفط الكويت» نفسها لم تدع ذلك.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي