إخوة قارون

تصغير
تكبير
| أحمد ضيف |
كان قارون من المقربين من فرعون وكان واحداً من رجالاته ورزقه الله الكثير من المال فطغى بأمواله وتكبر على الله وعلى العباد فكان عقابه من الله على هذا التكبر والغرور أن خسف به وبداره وبأمواله فلم تنفعه ثروته التي كان يكنزها ولم تنقذه من العذاب وأصبح مثالاً حياً لكل ذي عقل على سوء المصير بسبب سوء التصرف والاغترار بالمال وبسبب اقتناعه التام بأن هذا المال جمعه عن علم ومعرفة ورفض أن يقر بفضل الله عليه ورفض اتباع موسى عليه السلام في رسالته والإيمان بوحدانية الله.
إن قصة قارون وما جرى له قفزت أمام عيني فور رؤيتي لمجموعة من الوزراء وأحد رجال الأعمال النافذين جداً في النظام السابق وهم يُقادون إلى محبسهم في أحد سجون مصر . إنهم إخوة قارون لأنهم طغوا في البلاد وعاثوا فيها الفساد واستحلوا أموال الناس ونهبوها وتفننوا في التضييق على الناس في حياتهم وأقواتهم وسمحوا لأنفسهم بتوزيع أرض مصر وثرواتها على أنفسهم وعلى أقاربهم ومعارفهم وظنوا أنهم محصنون وفوق الجميع بما جمعوه من مال وبما وصلوا إليه من سلطة وجبروت ولكنهم لم يتوقعوا أن تنقلب عليهم الأيام وتعطي لهم الدنيا ظهرها ولأن الله يمهل ولا يهمل فقد حدث لهم أسوأ مما حدث لقارون فالله قضى على قارون قضاءً تاماً وسريعاً أما هؤلاء فقد أراد الله أن يذلهم وينكل بهم ويسقيهم من كأس الذل والهوان الذي اعتادوا أن يُجرِّعوه للشعب المصري المبتلى الصابر ، وما زالت الأيام القادمة تخبئ لإخوة قارون أبشع الأحداث وأسوأها لأن الله ولى هؤلاء مسؤولية عظيمة وهي مراعاة شؤون العباد والقيام على راحة الشعب وتهيئة سبل العيش الكريم لأبناء شعبهم الذين وثقوا بهم ولكنهم ــ وللأسف الشديد ــ كانوا وبالاً على الشعب وكانوا من أهم الأسباب التي عمقت الفقر لدى الشعب المصري.
ومما يثير العجب والدهشة ويزيد الحنق والضيق على إخوة قارون أنهم يصرون ويؤكدون على أنهم أبرياء من كل التهم الموجهة إليهم كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب وأنهم مظلومون وأن الشعب قد تجنى عليهم وظلمهم وأن الشعب قد قسى عليهم ، وهذا في وجهة نظري من أعجب الأعاجيب عندما نرى الجاني وقد امتلأت عيناه بدموع التماسيح يلوم المجني عليه على مطالبته المشروعة باسترداد حقه وحين يطلب القصاص من كل الذين خدعوه وابتزوه.
إن إخوة قارون عاشوا بيننا كالخفافيش يتحركون في الظلام ليمتصوا دماء الشعب فلما بزغ فجر الثورة وانتشر نور شمس الحرية عُميت أعينهم وتساقطوا الواحد تلو الآخر وسيستمر التساقط بإذن الله حتى يتم تطهير مصر من كل الخفافيش واللصوص ولعل الساسة والقادة القادمون يتعظون مما جرى لأسلافهم فيضعوا أمام أعينهم مصلحة الشعب وأمنهم وأمانهم ويضعوا تجربة قارون وإخوته وما حدث لهم نصب أعينهم ، كما أريدهم أن يرددوا دائما القول الشهير «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع « فاجعلوا يا قادة المستقبل حياتكم بين شعوبكم على الأرض بجوارهم ومعهم ولا تطيروا فوقهم أو تتعالوا عليهم فأنتم منهم وهم منكم.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي