فهد البسام / نقطة / لا تكن ثوراً...

تصغير
تكبير
بداخل كل منا ثوريٌ صغير، وهذا أمر طبيعي، مسألة أن يكبر وينفجر أو يبقى ويموت صغيراً عملية معقدة تحكمها الظروف والتحولات والامكانيات واعتبارات شتى متداخلة، لكن دائماً يتوق هذا الصغير لو أنه يسيطر على بقية الأفكار والآراء والتصرفات دون ردع العقل حيناً والمجتمع والقديم أحياناً أكثر، لا يعني ذلك أن الثورة ضد العقل، لكنها تندلع دائماً من القلب بعد أن يستنفد العقل كل أفكاره وحججه ووسائله، آخرون بداخل كل منهم ثور صغير، والفارق كبير لا يتوقف عند حدود التاء المربوطة، هم أنفسهم يظنون بثورهم أحسن الظنون ولا يميزون فما بالكم بالبسطاء الصادقين الذين يندفعون خلف السراب بأسرع من اللازم والمتوقع.

فالثورة أساسها عاطفة جياشة ومخلصة تبدأ باصلاح الذات تمهيداً لاحداث تغيير للوضع القائم وهذا ما لا يفهمه الثور الذي يريد تغيير الوضع بما يتناسب مع علل نفسه وأمراضها، ولأن الثوري بطبيعته انسان مشغول أبداً ودائماً بالهم العام وتحسين أحوال الوطن والناس في حين أن الثور لا ينشغل الا بذاته «الكبيرة» ولا يعنيه الا وضعه مهما علا صوته بالعكس أو ارتفعت شعاراته بالمطالب العامة، فانك تجد الثائر الحقيقي دائماً انساناً قبل كل شيء متسامياً شفافاً منكراً لذاته في سبيل الغاية الكبرى، في حين أن الثور يعيش دائماً وفق عقلية مصارعة الثيران حيث يعتقد أن الجمهور لم يأت الا لمشاهدته هو، لهذا وعكس السائد فالثوري ثابت الجنان رزين يُقلب الأفكار ويراجعها ويغزل ثورته بتأنٍ وصبر ويرتب الظرف لها بهدوء ثم ينقض على هدفه بسرعة، عكس الثور سريع الاهتياج الذي تحركه كل ألوان الأقمشة فلا يصطدم الا بالحوائط الخشبية ولا يحرك الا سكون الهواء، لذا فالثائر حين يقول يفعل والثور وما أكثرهم يقول ما لا يفعل، وهو لأنه يسعى لصالح الناس ويقدرهم ينقض قبل ذلك على أفكارهم وقناعاتهم الراكدة ويحاول كسرها وقيادتهم لأفق أرحب وفضاء جديد بينما يعاملهم الآخر كقطعان وأرقام مجردة فيبقى مغازلاً وممجداً ما لديهم من تراكمات وخيالات ليستثيرها صعوداً على أكتافهم وأكتافها، الفارق دقيق والخيط رفيع جداً وخطير، لهذا وأكثر غالباً اذا ما نجح الثور في انتحال الثورة وانتصر يكون أسوأ ممن ثار عليهم وأردأ، فانتبهوا وكونوا مع الثورة ولا تكونوا مع الثيران.





فهد البسام

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي