| نادين البدير |
أنت الأب. الأم. المدير. الرئيس. المعلم. الزوج... أنت أي مسؤول، أنت الضعيف. الخائف. المرتعد من أن أفلت يوماً، لا مفر أمامك من إخافتي مستغلاً عمري الصغير وجهلي لمجريات الأمور خارج الأسوار، لا مفر من إرهابي بنظامك الداخلي وبالسياط
هكذا أمضيت بحرمك السنوات هزيلة مهمشة مسحوقة بحجة الأبوة تارة وبحجة طاعة الحاكم تارة. وبحجج كثيرة، أول كلمة (لا) كانت الأصعب والأقسى عليك وعلى نفسي، كان صعبا أن أسمعك تُهان. وتوالت بعدها ثوراتي الداخلية الصغيرة توالت نزواتي السرية وعلاقات عشقي المحرمة المجنونة توالى توقي للعدالة والحرية. العشق والعدل محرمان حد القتل في قاموس إعجاز قداستك لا أكترث لإعجازك ولا لقداستك، وحين خرجت خفية لأستطلع ما يدور تهت حائرة وسط الحشود الثائرة ضدك تهتف: نعم لعصيانك.
لِمَ لا تخافك الحشود مثلما كنت أخافك؟ أم أنها مثلي كسرت الطوق وانشقت، أين احترامك؟ أين طاعتك الواجبة وفق الشرع والأعراف؟ هذا ما فرضه قلمك بمنهج دراستي، طاعتك من طاعة الله ومعصيتك من معصية الله، تتكشف مبادئ جديدة بين الحشود، بين الأحرار، لم أعد أخشاك، ولا أخجل منك أو أطيعك، احترامك كان خدعة أبرع بها أمام جبروتك، كنت أحسب الحساب وأخاف منك العقاب، قلق من المجهول وخوف من الحرية، ورفض للبديل، البديل الذي استعملته أنت عصا تلوح بها عند كل لحظة مقاومة.
* * *
أنت. ماذا تفعل بين الحشد؟ تتجمهر وتعلن العصيان، ثم تعود لبيتك مارداً آخر. آمرٌ مطاع، ديكتاتور آخر. ظالم آخر يرفض العصيان، كلكم متشابهون، تهتف لأجل الكون الجديد، هل تهتف على طاعة الولي الجديد أيضاً؟ أم تقسم أيمان الثورة على عدم العبث؟ تُقسم على أن الولي ليس نبيا ولا هو بوصي؟
أتقسم على أن سلطتك ليست من سلطة الله؟ وأن إغضابك لن يكون مصيره النار؟
أنت موظف بسيط كبقية الموظفين، ماذا تفعل بين الحشود؟ هل تنوي تلويث الثورة بأنانيتك؟ أم ستبتعد عنها لتبقيها نظيفة كأهلها الطاهرين؟ مؤكد ابتعادك فأصوات الثائرين تؤذي الانتهازي والوصولي وكل متملق، هل سيسمح لأي أناني بالوقوف ضمنها؟ هل سيسمح باستغلالها؟
هذه الثورة ليست تكراراً لثورات خنقت أبناءها، الثورة رصينة قوية محمية بجدار بشري عازل ضد الخيانة والأنانية والأحقاد الطبقية، درس جديد لجميع العرب، درس يخص مكرمة الطاعة، المنحة الدينية والمجتمعية التي يحصل عليها كل مسؤول وكل صاحب كرسي رفيع أو وضيع، هل نتخلى عن جرأة فاجأتنا ونستهين بقوة باغتتنا لنلغي فزاعة عمرها عقود اسمها النظام أو الداخلية؟
مكرمة الطاعة التي توزع دون حساب على كل مسؤول وصاحب سلطة، من رب الأسرة لأعلى مسؤول في الدولة. هل يعاد النظر بضرورة الالتزام بها؟
كل شارع عربي. كل بيت عربي كان يخفق بشدة بانتظار أن تحقق ثورة مصر ما حققته لتكمل الجماهير انتشارها ومطالباتها، وليوقظ الطلبة العرب أحلامهم الممنوعة ولتكمل ربات البيوت عاداتهن طوعاً لا واجباً، لا نخشى فتيل ديكتاتورية سياسية جديدة. إذ تم التصويت أخيراً لصالح إنهاء الطاعة والالتزام بالقانون
ستعمم الديموقراطية على كل التجمعات على العائلة. على الحزب. الشركة. المدرسة. الجامعة... كل تجمع بشري، وسنكتب بنود القانون. أول مادة تقول (تعيش الحرية) أول مادة تقول (تسقط الطاعة العمياء) صانعة الطغاة وحامية الجزارين. لن نردد يعيشون. لن نعلق صورهم. لن نقبل أقدامهم، نتعظ من ثوراتنا السابقة ونُسائل المسؤولين. نخبرهم أنهم مجرد موظفين غير محسودين على مسؤوليات الحكم الباهظة والمرهقة.
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]