د. وائل الحساوي / نسمات / أين آراء العلماء في ما يجري (1 من 2)

تصغير
تكبير
في الفقه الاسلامي باب يسمى بـ «فقه النوازل» وهو ما يتعلق بالامور العظيمة التي تنزل على الامة الاسلامية وتتطلب فهما عميقا بالشريعة الاسلامية وبالواقع المعاش، ولا يتصدى لذلك الفقه إلا الجهابذة من العلماء.

لاشك ان ما يجري اليوم من فتن وخطوب جسيمة في العديد من البلاد الاسلامية هي من النوازل التي لابد للعلماء من التصدي لها بالافتاء وإنارة عقول الملايين من الناس الذين لا يدركون كيفية التعامل معها، وكم أتعجب من الصمت المطبق لأكثر العلماء الربانيين عن الادلاء بدلوهم في تلك الفتن وسكوتهم الذي يغري كثيرا من الدهماء والجهلاء بالتكلم فيها دون فقه كاف.

وقد كان شيوخنا ابن باز وابن عثيمين والألباني رحمهم الله تعالى لا يتركون حدثا إلا وكان لهم رأي فيه.

أصدر الشيخ عجيل النشمي - حفظه الله - بيانا يوم الاحد قبل الماضي حول مفهوم طاعة ولي الامر وحول الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات وبأنها لا تتعارض مع طاعة أولي الامر، وقد أوضح الشيخ عجيل في فتواه أمورا عدة منها:

أولا: النصح لأولي الامر لا ينافي السمع والطاعة.

ثانيا: تختلف وسائل النصح تبعا لظروف الزمان والمكان والنظم والاعراف.

ثالثا: الاصل في النصح للسلطان ان يكون سرا لمن يجدي نصحه بالسر وإلا فالجهر مطلوب ليعلمه الكافة فينكرونه.

رابعا: وأما إبداء الرأي والمظاهرات فلا تتنافى مع السمع والطاعة، وان ما يسمح به ولي الامر والدساتير هو في دائرة المباح، والمظاهرات وسيلة حضارية مادام هدفها ساميا، فالاصل في الوسائل الجواز مادام هدفها نبيلا ويحقق مقاصد الناس، بل قد تكون واجبة اذا تعينت طريقا للاصلاح.

خامسا: المظاهرات قد تكون من دون اذن ولي الامر اذا قابلها بلوغ ظلم الحاكم مداه، فعطل الشرع وحارب اهله، وصادر الحريات وكمم الافواه وملأ السجون وأشاع الفساد.

وقد رد الشيخ عبد الله السبت والشيخ فيصل الجاسم - حفظهما الله - على كلام الدكتور فهد الخنة الذي أيد كلام الدكتور عجيل (الوطن 2011/2/2) بعدة ردود منها:

أولا: ان هذا الكلام مخالف لمنهج السلف الصالح على مدى العصور الذين أصّلوا طرق ووسائل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يتركوها لكل من هب ودب يتعامل معها باجتهاده.

ثانيا: ان هدي السلف في إنكار منكر الامام كما ذكره الشيخ ابن باز - رحمه الله - وهو النصيحة في ما بينهم وبين السلطان والكتابة اليه او الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به، واستدلا بالعديد من الاحاديث النبوية وبهدي السلف الصالح في ذلك، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «من أراد ان ينصح لذي سلطان فلا ينصحه علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه»، وقد قال الحافظ بن المنذر: «الذي عليه أهل العلم ان للرجل ان يدفع عما ذكر - اي النفس والمال - اذا اريد ظلما بغير تفصيل، الا ان كل ما يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالامر بالصبر على جوره وترك القيام عليه». فالحافظ المنذري قد عد هذا الامر من الاجماع بين علماء السلف بعكس ما يعتقده المعتزلة والخوارج وغيرهم.

ثالثا: ولعل الشيخ عبد الله السبت قد لخص معتقد السلف بقوله ردا على الدكتور الخنة بأنه يوافقه في قوله: «ولا يقول احد من السلف ولا الخلف وأهل العلم والفقه والعقل ان على الامة ان تستسلم للجلد والنهب والسلب من أئمة الجور، بل عليها ان تقيم أئمة العدل وتنصحهم وتذكرهم بالسر، ان كان الامر تنفع معه نصيحة السر وهو الاولى، وبالعلن ان اصبح المنكر شائعا ذائعا ومعلنا او اقتضت المصلحة الشرعية ذلك، وتتصدى لهم دون الخروج عليهم بالسيف إن عمت بلواهم وظلمهم للأمة ماداموا على الاسلام وما أقاموا الصلاة في الأمة».

ثم عقّب الشيخ السبت بقوله: «لكن إنكار العلن يحتاج لضبط ودقة وألا يكون في مظاهرات واعتصامات».

وللحديث بقية بإذن الله.





د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي