في ظل أحداث سياسية معقدة وكثيرة في الوطن العربي، وفي ظل مشاكل اقتصادية يعيشها المواطن المصري، فوجئت بأن غالبية الشعب المصري تتابع مباريات منتخب الكرة في كأس الأمم الأفريقية، ولم تقتصر المتابعة على جمهور الكرة، بل امتدت إلى المثقفين بمختلف انتماءاتهم، حتى الأمهات في البيوت.
وكان لافتاً جداً متابعة الشعوب العربية في كل مكان للمنتخب المصري، وظهر هذا التشجيع العربي بوضوح بعد المباراة التي فاز فيها منتخب مصر على فريق ساحل العاج، فانتبهت بشدة، وظللت أتابع ما يحدث عربياً، فتشجيع المصريين معروف، لكن اللافت هذه المرة التشجيع العربي.
نعم، كان لافتاً، فقد شهدت الرياضة العربية في كرة القدم خلافات عدة ومشكلات كثيرة جعلت مباريات الكرة بين العرب تتميز بالحساسية الشديدة، وكان نتيجة الخلافات العربية أن تفرق العرب «كروياً» كما تفرقوا «سياسياً».
لكن ما حدث في متابعة الشعوب العربية للمنتخب المصري هذه المرة كان لافتاً جداً. فقد جمعت الكرة العرب في أقصى الشرق والغرب، وهم الذين إذا اجتمعوا في مكان اختلفوا على كل شيء حتى أنواع الطعام.
لذلك بعد فوز منتخب مصر في كأس أفريقيا لم يخرج الشعب المصري وحده مبتهجاً فرحاً بالفوز، إنما خرج المصريون في الكثير من البلاد العربية والأجنبية، ومعهم إخوانهم من العرب، وهذا ما دفعني إلى التفكير: لماذا وكيف جمعت الكرة العرب، وهم المتفرقون سياسياً حتى في البلد الواحد؟ فبلد مثل لبنان منصب رئيس الجمهورية خالٍ منذ شهور للاختلافات السياسية المعقدة، فما الذي جمع العرب في فرحة الفوز بكأس، حتى تنهال برقيات التهنئة من الرؤساء والملوك العرب على الحكومة المصرية، وتنهال التبرعات العربية على لاعبي الكرة. حقاً الأمر يستدعي التوقف عند الأسباب التي أرى منها:
1 - الرغبة النفسية الدفينة في الشعور بالنصر. نعم، فالشعوب تبحث عن فرحة النصر، أي نصر يحققه العرب حتى ولو كرويا، فقد اجتمعت عليها مشاعر الإحباط المتوالية بسبب الضعف العربي.
2 - التوقيت. فقد جاءت تلك المسابقة الكروية في ظل حصار غزة وقتل الفلسطينيين ليلاً ونهاراً أمام أعين العالم الذي لايسمع ولا يرى ولا يتكلم. إذاً كانت المصائب في العرب، ثم الضعف العربي الواضح والصمت المريب فبحثت في المشاعر عن فرحة نصر.
3 - ما فعله اللاعب المصري الخلوق محمد أبو تريكة في مباراة مصر مع السودان، عندما أحرز هدفاً وخلع «فانلته» ليظهر خلفها «تي شيرت» مكتوب عليه بالعربية والإنكليزية تعاطفه وتضامنه مع أهل غزة كان فعلاً مميزاً جداً لفت العرب جميعهم إلى أنه من الممكن أن نتحد في الكرة مع قضايانا المصيرية. كانت تلك أهم الأسباب في رأيي، وإن كانت هناك أسباب أخرى، لكنها أقل من حيث الأهمية.
وبما أن الكرة جمعت العرب يبقى السؤال: لِمَ لا تجمعهم السياسة والأرض واللغة والدين والعادات والتقاليد واحدة والضغوط الدولية كلها متحدة ضد العرب وحقوقهم، ثم إن المخاطر واحدة؟ الإجابة تقول: إن السياسة لها أجندتها الخاصة التي تختلف عن الكرة تماماً، ولكن التعقيب على ذلك يقول: السياسة تدخل في كل شيء في الاقتصاد والثقافة والرياضة.
ويبقى أن العرب يحتاجون إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى، ولكن للأسف كل بلد عربي له أجندته الخاصة، ثم إن الوحدة لها تبعياتها التي تتعارض مع الأجندات الخاصة لبعض الدول العربية.
والكرة ليست وراءها وأمامها تبعيات. وأخيراً الشعوب العربية تبحث عن الفوز بكأس العزة والكرامة في ظل عالم لا يعرف غير الأقوياء، فهل تحقق السياسة للعرب نصراً ولو بميدالية للعزة والكرامة؟ الآمال كثيرة والأحلام كثيرة، ولا يلومني أحد إذا كانت الكرة جمعت العرب فلِمَ حقاً لا تجمعهم السياسة إذا كنا حقاً خير أمة أخرجت للناس؟
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب كويتي
[email protected]