قلت لها معاتبا: لقد فرحنا بقدومك أيما فرح وطبعنا التقاويم وأضأنا سماءنا بالالعاب النارية واستبشرنا بالخير العميم على بلادنا، لكننا فوجئنا في اقل من شهر من زيارتك لنا بكوارث يندى لها الجبين لاسيما في عالمنا العربي الممزق، فهذه تونس قد انفض عقدها وتهاوت قيادتها، وهذا لبنان قد تطايرت الشياطين الحمر بين ارجائه وتكهربت اجواؤه بعد ان ساد الصفاء دياره، ولا يعلم الا الله ما سيكون من امره، وهذه مصر المحروسة توشك ان تفقد حراستها وتتفجر من داخلها، وهذه السودان تنشطر واليمن يشتعل ثورته والاردن يتظاهر لإسقاط حكومته.
أما من لم يمسه دخان السياسة والاضطراب فقد عاقبتيه بالسيول الجارفة والكوارث الطبيعية!!
أخذت نفسا عميقا وكأنما فاجأها سؤالي واستنكاري ثم قالت: اما وقد سألتني هذا السؤال فاسمح لي ان اقول لك ان ما رأيتموه مني ليس شرا كله، بل هو نتيجة طبيعية لتراكمات سنين طويلة من التخبط والاهمال والعبث بمقدرات الشعوب والتسلط، وقد امهلت القيادات الكثير الكثير لكي يتداركوا ما فاتهم ويصلحوا علاقتهم بشعوبهم ولكنهم وللأسف تمادوا وازدادوا في احتقار ارادة شعوبهم والتسلط عليهم الى ان انفجرت الشعوب وتحولت الى قنبلة موقوتة اخذت تلاحق جلاديها، فهل تعتبر ما حدث شرا محضا؟! وهل كان بقاء الاوضاع على ما هي عليه هو الحل الامثل؟! وهل طوابير الفقر والبطالة وانتشار الفساد امور تفتخرون بها وتحافظون عليها؟!
قلت لها: بالطبع لا، ولكن التغيير يجب ان يخضع لضوابط شرعية وحكمة، لا ما نراه اليوم من فوضى واضطراب وسلب ونهب ونزول الناس الى الشوارع دون هدف ولا منهج واضح، وهل نسيتي ما حصل في الصومال عندما فرح الناس بزوال سياد بري وزوال سلطانه، ثم هم يعيشون عقودا من مرارة التقسيم والفوضى والحرب الاهلية؟! وهل نسيتي ما حصل في رواندا من قتل عشوائي لمئات الألوف؟! بل هل نسيتي ما فعلته اوروبا في حروبها العالمية عندما حصدت ارواح ملايين البشر من اجل مطالب مجموعة من المغامرين؟!
قالت لي: لا تيأس من روح الله ولا تعجز، ولو ان كل انسان جلس في بيته وانتظر التغيير لما تغيرت حركة التاريخ ولما تطورت الانسانية، ألم تر الى الماء الآسن الذي لا يتحرك كيف يصيبه التلوث وتنتشر فيه الجراثيم والميكروبات بينما الماء المتحرك ينظف نفسه وينظف الارض التي يمر عليها؟!
قلت لها: لكن تلك الشعارات الجميلة يجب ألا تنسينا سنن الله تعالى الكونية في التغيير فتفجير الذرة يمكن ان يمدنا بطاقة نافعة مئات السنين اذا ما تم تحت ظروف منضبطة بينما التفجير نفسه يمكن ان يدمر حياتنا البشرية اذا ما كان عشوائيا.
أخيرا، فماذا عن الكوارث الطبيعية التي تصيبين بها الناس؟!
قالت: انها سنن كونية لها ارتباطات غير مباشرة بأعمال البشر، وهي دروس لولاة الامور بأخذ الحيطة وبذل الاسباب كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو ان سخلة بوادي الفرات عثرت لخشيت ان يسألني الله: لِمَ لَمْ أمهد لها الطريق».
د. وائل الحساوي
[email protected]