د. وائل الحساوي / نسمات / خريف العرب

تصغير
تكبير
كتب (الصافي سعيد) في كتابه القيم (خريف العرب... البئر والصومعة والجنرال) عام 2005: يطرح اليوم سجال ساخن حول امكانية استمرار العالم العربي بصورته الحالية... ان التدهور لا يزال ماثلاً للعيان، فسورية مرشحة للعودة الى اربع دويلات (درزية - علوية - سنية - شامية دمشقية)، ولبنان قد يتفتت الى ثلاثة كانتونات طائفية (مسيحي - سني - وشيعي)، والعراق بلا شك الآن على مشرحة التقسيم الى اكثر من كيان (سني - شيعي - كردي).

وقد يعود اليمن الى التشطير السابق، بل قد يصبح الجزء الجنوبي شطرين بين حضرموت وعدن، ومصر قد نضجت للتقسيم الى دولة في الشمال واخرى في الجنوب على منوال ما سيحدث قريباً في السودان الذي لن تتوقف تجزئته بين جنوب وشمال بل ستمتد الى اكثر من اقليم: دارفور وجبال النوبة.

أكاد ارى في هذه الايام سيناريو تجزئة العالم العربي تصل ذروتها وتسير على نهج متناسق في جميع البلدان العربية، فها نحن قد شاهدنا السودان ينشطر امام اعيننا الى شطرين في ظل انشودة ديموقراطية اتقنها مؤلفوها وصوروها نصراً وتمكينا، اما دارفور فهي مسألة وقت قبل انفصالها.

وها نحن نرى لبنان وقد عصفت فيه التدخلات الخارجية حتى كادت تشعل الحرب الاهلية بين طوائفه، وقد تدرج مستعمروه الجدد في التغلغل في شؤونه واحكام السيطرة على اوصاله، فبدأوها بملحمة وطنية ضد اعداء الامة اليهود، ثم كان لزاما عليهم التمترس خلف انشاء جيش قوي للتصدي للاعداء، وما لبث هذا الجيش ان احكم سيطرته على مفاصل البلاد وطرد جيشها الاصلي، ثم امتد لخلع قياداتها واستبدالهم بقيادات هو اختارها بنفسه لضمان تنفيذ خططه (مع عدم تشكيكنا بالقيادات الجديدة).

المثال الثالث الذي بدأت ملامحه بالبروز هو اليمن - ذلك البلد الفقير الذي ضحى بالكثير من اجل توحيد شطريه رأينا كيف بدأت نوازع الانفصال تعود بقوة اليه بل وامتدت اليه بل اليد التي عصفت بلبنان لتنتزع منه جزءاً آخر، وهكذا اصبح خيار تقسيم البلدان العربية واقعاً ملموساً».

استطرد الصافي سعيد في كتابه بالقول: «باستثناء بعض الجيوب التي تنتمي الى النظام التقليدي القديم فإن عموم البلاد العربية قد اصبحت مجرد وحدات عائلية صغيرة غاية في التشظي، ذلك انه ما ان ينتهي السند (عائلي - عشائري - حزبي) حتى تقطع جذور المرجعيات وتشوش المفاهيم ويبسط الخوف جناحيه تحت شعارات الامن والاستقرار»، ثم يعرج الكاتب على دور العسكريين العرب في تدهور احوال بلدانهم فيقول: «ان النموذج العسكري الذي عرفه العالم العربي متعدد في تكوينه ونشأته وتنظيمه، غير انه يتميز بخاصية عامة هي الطغيان والتسلط واستبعاد الطواقم السياسية وتفريغ المجتمع من ثقافته ومدنيته، اذ اضحى التحديث في شكله العام تزييفا للمدن، والتحرير ارتهانا للخارج، اما التوحيد فقد انتهى في غالب الأحيان الى تشطير جديد وحوّل المجتمع الى فئات متنافسة ومتحاسدة».

ولعل المتأمل في ما يحدث اليوم في تونس ومصر وليبيا والسودان واليمن وموريتانيا والجزائر والعراق وسورية وغيرها يدرك ان ردود الافعال القائمة ليست الا نتائج لسنوات طويلة من هيمنة الجيوش على تلك البلدان وتحوير مسيرتها، وعبثاً نتكلم عن شعارات التحرر والسيادة في ظل تلك الاوضاع الكئيبة!!





د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي