رؤى / درر النابغة الذبياني

تصغير
تكبير
| لطيفة جاسم التمار |

النابغة الذبياني هو أبو أمامة زياد بن معاوية شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، لقب بالنابغة لأن الشعر عنده كالماء النابغ الذي لا ينقطع ويقول ابن قتيبة لقب بالنابغة لقوله: وحلت في بني القين بن حسرم فقد نبغت لهم منا شؤون.

ويعد أبرز أعمدة الشعر الجاهلي وأميز فحولهم لا يشق له غبار الشعر هو وأمرؤ القيس وزهير، له مكانة عالية في قول الشعر حتى اختارته العرب ليكون محكما يحتكمون إليه في الخصومات الأدبية في سوق عكاظ، فضربت له قبة حمراء لكي يحكم للشعراء، ومما أشيع أن أحكامه كانت موفقة، ومن أهم الشعراء الذين عرضوا أشعارهم عليه الأعشى وحسان والخنساء.

يمتاز شعره بالكنايات الفريدة والإشارات المنيرة، وقلة التكلف لذلك كانت صناعته موافقة لهوى المتلقي، فقد أجاد في الوصف والمديح والاعتذار، الا أنه كان يقول: إن في شعري عاهة لا أدريها، وهي أنه يقوى أي أنه يخالف بين القوافي يرفع بيت ويجر آخر مثل قوله:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

بمخضب رخص كأن بنانه

غم يكاد من اللطافة يسقد

عرف عنه أنه كثيرا ما كان يتكسب بشعره وهذا أدى إلى الإقلال من قدره، قال في قصيدة يمتدح بها عمرو بن الحارث الغساني بعد أن أكرمه ورحب به في مملكته بعد خصامه مع النعمان، وصارت هذه القصيدة من أروع ما قال:

كليني لهم يا أميمة ناصب

وليل أقاسيه بطيء الكواكب

وصدر أراح الليل عازب همة

تضاعف فيه الحزن من كل جانب

عليَ لعمرو نعمة بعد نعمة

لوالده ليست بذات عقارب

وبعد مضي الزمن سمع أن النعمان بن المنذر على تعب فقرر أن يذهب إليه ويعتذر منه، وقال فيه قصيدة المديح الشهيرة:

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني

وتلك التي تستك منها المسامع

مقالة ان قد قلت: سوف أناله

وذلك من تلقاء مثلك رائع

لعمري وما عمري علَي بهين

لقد نطقت بطلا علَي الأفارع

ثم يقول في جزء آخر من القصيدة:

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

خطاطيف حجن في حبال متينة

تمد بها أيد إليك نوازع

توعد عبدا لم يخنك أمانة

ويترك عبد ظالم وهو ضالع

وأنت ربيع ينعش الناس سيبه

وسيف أعيرته المنية قاطع

وفي اللحظة الأولى التي سمع بها النعمان تلك القصيدة التي يمتدحه بها النابغة واصفا إياه بأجمل الوصوف حتى عفا عنه، فعاد النابغة ليقضي بقية عمره في أرض المناذرة، حتى وافته المنية في السنة الثامنة عشرة قبل الهجرة، وقال في أواخر قصائده عندما هرم وأرعشه الكبر وسئم الحياة:

المرء يأمل أن يعيش

وطول عيش قد يضره

تفنى بشاشته ويبقى

بعد حلو العيش مره

وتخونه الأيام حتى

لا يرى شيئا يسره

كم شامت بي إن

هلكت وقائل: لله دره

هكذا دوما الإنسان يتمنى طول العيش حتى يتسنى له الاستمتاع بالحياة، ولا يعلم بأن الهرم والكبر يعوق الاستمتاع بها كما كان الشباب. ولا يفوتنا هنا إلا أن نذكر جزءا من معلقته الشهيرة والتي يقول في مطلعها واصفا ديار الحبيبة التي صارت طللا وأصبحت ذكرى يسألها عمن أحب لكن من دون مجيب:

يا دار مية بالعلياء فالسند

أقوت وطال عليها سالف الأبد

وقفت بها أصيلا كي أسائلها

عيت جوابا وما بالربع من أحد

إلا الأواري لأياما أبينها

والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد





* ماجستير أدب عربي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي