د. وائل الحساوي / نسمات / الداخل مفقود والخارج مولود

تصغير
تكبير
لم أكن أعلم بأن هنالك سجونا في العالم تتسع لأكثر من مليون وسبعمئة ألف سجين حتى زرت قطاع غزة فوجدت امامي سجنا كبيرا قد تمت محاصرته برا بجيوش اسرائيلية جرارة ترصد كل حركة فيه وجوا عن طريق طائرات حديثة تخترق اجواءه اناء الليل واطراف النهار لتصب نيرانها على من تشاء وقتما تشاء وبحرا عن طريق البوارج الحربية التي لا تسمح لأحد - حتى صيادي الاسماك - بالتـــقدم اكثر من مئات الامتار داخل البحر وليس للشعب الفلسطيني في غزة غير معابر محدودة يشرف عليها مصر والكيان الصهيوني ولا يسمح بالدخول الى القطاع إلا بالقطارة من أهلها وكذلك بالخروج منها.

لقد كانت زيارتنا لغزة ضمن وفد جمعية الصحافيين الكويتية بموافقة كريمة من جمهورية مصر العربية وتسهيل لاجراءات دخولنا وخروجنا وكنا شهداء احياء على حجم الدمار الذي اورثه العدو الصهيوني بتلك الارض المباركة، مئات الابنية والمنشآت والمساجد والمدارس التي هدمت على رؤوس ابنائها، وتجريف مخيف لأراضيهم وحصار اقتصادي قاتل، حتى المياه الجوفية قد تحولت الى ما يشبه ماء البحر من شدة الملوحة يضاف لها التلوث المتعمد حيث سحب الكيان الصهيوني المياه العذبة من تحت الارض، وشوارع مكسرة.

لقـــد التقــــينا عشــــرات الثكالى والارامل والاطـــــفال اليتامى الذين فقدوا اعز اهليـــــهم وذرياتـــــهم وافــــترشـــــوا العراء بعد ان هدمت بيوتهم على رؤوسهم، وقصوا علينا قصصا هي اشبه بالخيال ولا يمكن لإنسان انعم الله تعالى عليه بالعقل والحرية ان يتصور حدوثها في زمن يتشدق فيه العالم بحقوق الانسان والديمــوقراطـــية وحق تقرير المصير، ولا يمكن ان يتصور حدوثها بمباركة بلدان خاضت الحروب المدمرة لإرساء مبادئ العدل والمساواة وانشأت منظمات حقوق الانسان وطمّت آذان العالم باستنكارها لحقوق حيوان اســـــاء اصحابه معاملته، وحاربت كل من تجرأ على اســـتنكار قصة «الهولوكوست» المفبركة واعتبرته عدوا للحضارة، فلماذا صمتت تلك الاصوات الصاخبة وجفت تلك الدموع المسكوبة وصمت تلك الآذان الصاغية عندما اصبح الموضوع متعلقا بشعب اعزل مضطهد احكم علــــيه عدوه القيد في اوطانه وسامه ذلا وهــــــوانا؟ ولماذا تمـــــالأ الجميع على اذلاله واســكاته، حتى اخوانه قد نسوه ولم يلتــــفت إلا القــــليلون منـــــهم إليه؟!

ان النقطة المضيــــــئة الأهم التي لمســناها من خلال زيارتنا هي ان الصمود والمرابطة كانت هــــي عنوان الرد الفلسطــــــيني على مخططـــــات العدو الصهيوني، ولعلي اتكلم عنها بالتفصيل في مقالات مقبلة بإذن الله.





د. وائل الحساوي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي