يأخذُ الدينُ مكانه كما أخذتِ العاداتُ والتقاليد مكانها في قضايا المرأة وشؤونها المختلفة، وحول فهمنا المتناقَل لنظرةِ الدين تجاه دورٍ شاملٍ للمرأة حين ننظر إلى قضية مساواة المرأة بالرجل من جانب الإسلام وهو آخر رسالات السماء في الأرض ونتتبَّعُ سيرةَ النبي الكريم في العبادة في المسجد والطواف حول الكعبة، وفي بيته وفي السوق وفي العمل وفي العلاقات العامة، وفي ساحات القتال مع العدو، سنجدُ المرأةَ حاضرةً لا فرق بينها وبين الرجل، وقد وضَّح القرآن الكريم تساويَ الرجل بالمرأة في الإسلام في الآية 35 من سورة الأحزاب «إنَّ المسلمينَ والمسلماتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والقانتينَ والقانتاتِ والصادقينَ والصادقاتِ والصابرينَ والصابراتِ والخاشعينَ والخاشعاتِ والمتصدقينَ والمتصدقاتِ والصائمينَ والصائماتِ والحافظينَ فروجَهم والحافظاتِ والذاكرينَ الله كثيراً والذاكراتِ أعدَّ اللهُ لهمْ مغفرةً وأجراً عظيماً»، أما في الميراث آية 11 في سورة النساء «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن...». فالآية بمضمونها تُشيرُ إلى ارتباط الذكر بأعباء مالية منها المهر ومنها توفير المسكن والنفقة للزوجة وللأبناء وتلك تكليفاتٌ ومهامٌّ سيُحاسَبُ عليها الرجل في نظر الدين وليس تفضيلاً له على المرأة، وأمّا الآية 34 من سورة النساء «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»؛ فمن المعروف أنَّ القوامة هنا هي جزءان؛ الأول هو طاعة الزوجة لزوجها بما يرضي الله تعالى، والجزء الثاني من القوامة هو حق الرجل في الطلاق ما لم يُمَلِّكْها تلك العصمةَ فيُسمّى طلاقَ التَّمليكِ، ويمكننا الرجوع إلى مصادر مختلفة لنتعرَّف على الفرق بين مدلول كلمة (رجل) وكلمة (ذكر) فربما من الذكور مَنْ لا يملك أهليةَ القوامة على المرأة مع التأكيد أن القوامة مسؤولية وليست برفعِ الصوتِ والصراخ وليست بالعنف والعضلات! أيْ ليس من الرجولة الصراخُ في البيت على الأطفال والنساء أو ضربهنَّ فذلك منافٍ للقوامة التي وُكِّلتْ للرجل، بل من القوامة ضبط السلوك واستحضار الحكمة والاحتكام إلى العقل؛ فأيُّ تفضيلٍ للرجل على المرأة في كلِّ ما ذكرنا؟ إنها مسؤولياتٌ متتابعة تقع على كاهل الرجل من إنفاق للمال، وضبط لسلوكه وللسانه بعدم التسرع في الطلاق، واستخدامٍ للقوامة على وجهها السليم، أمّا حين مارسَ كثير من الرجال تلك المسؤولياتِ بأداءٍ غير منضبط بل أحياناً بتعالٍ على النساء اللواتي هُنَّ شقائقُ للرجال في الحياة بدافعِ سلوكٍ غير سويٍّ أو انسياقاً مع عادات اجتماعية هي عادات وليستْ ديناً اختلطتِ الأمور وصار كلٌّ من الرجل والمرأة يلقي باللومِ على الآخر؛ ليس هناك دينٌ سماويٌّ يرضى بتسلُّط أحدٍ على أحد، إنها ممارسات بعض الرجال بإصدار الأوامر للمرأةِ وكأنَّ الرجل في ثكنة عسكرية وليس في بيتٍ ألزمَهُ الشرعُ بتوفيره لزوجته، وأخذ البعضُ من الرجال يهدِّدُ بالطلاق أو مارسه وكأنه سلاح! بينما هو حل شرعيٌّ واجتماعيٌّ نهائيٌّ حال استحالة التعايش بين الزوجين وليس سلاحاً، وراح بعض الرجال يذهب يميناً وشمالاً في مسؤولياته المالية مستخدماً النفقة والمال أسلوباً في تهديد الزوجة أو الضغط عليها؛ فكان من الطبيعي أنْ يصدر عن بعضِ النساء أيضاً ردُّ فعل تجاه ممارسات بعض الرجال، إذاً للمرأة في الدين المكانةُ الكاملة التي تقتسمُها مع الرجل، فمن أين جئنا بفكرة تجاهل المرأة أو التقليل من أدائها! بل إن مِنَ النساء مَنْ أخبر النبي الكريم عن مشاركتهنَّ في القتال بالمعارك؛ كما جاء في الأثر عن يومِ أُُحُد حديثُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه «سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما التفتُّ يومَ أُحُد يميناً ولا شمالاً إلاّ وأراها تُقاتِلُ دوني». يعني نسيبةَ بنت كعب، ولسنا نُغفلُ أنَّ أوَّل مَنْ دخل الإسلام في بدءِ الدعوة إليه كانت امرأة وهي خديجة بنتُ خويلد، وأول مَنْ استُشهِدَ في الإسلام امرأة هي سميَّة بنت خُبّاط.
إذاً العادات والتقاليد والدين يُنصفان المرأة ويفتحان لها الباب لتبذلَ من جهدها ومالها وتتميَّزَ جنباً إلى جنبٍ مع الرجل، خلافاً لما نمارسُ ونعتقدُ أنَّه هو الصوابُ، فوراءَ كلِّ رجلٍ عظيم امرأةٌ.. لعلَّها أعظم منه.
علي سويدان
[email protected]