بدأ الاختلاط في الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، فقد اقتصر تعليم المرأة في بادئ الأمر على التعليم الابتدائي والثانوي، غير أنه صاحب ذلك زيادة في وعي المجتمع بأهمية تعليم المرأة بالمعاهد والدراسات العليا، وفائدة ذلك للأمة بأسرها، ولذلك دخلت المرأة إلى المدارس والجامعات ذاتها المخصصة للذكور لعدم استطاعة الدولة في ذلك الحين توفير مؤسسات تعليمية جديدة مخصصة للطالبات. وفي ذلك الوقت كانت الكنيسة تنادي بفصل التعليم المشترك، أما الدولة فاستمرت تنادي بالتعليم المشترك المختلط، وفي عام 1972 وافق الكونغرس الأميركي على قانون يحظر التمييز بين الجنسين في التعليم.
إن تعميم الاختلاط في التعليم، خصوصاً في المدارس العليا، تم من دون النظر إلى تداعيات ذلك على القيم وأخلاق الشباب، ولم يستند إلى أي دراسات أو أبحاث علمية تدل على الفوائد المرجوة منه، ولكن السبب الرئيس الذي دعا المسؤولين إلى تعميمه هو أنه أكثر اقتصادية، ومن ثم البعد عن نمط التعليم الكنسي، إذ تركز في أذهان الكثيرين في الغرب معارضة الكنيسة للكثير من الأفكار التحررية. ومع ذلك، ظلت الكنيسة تنتهج لفترة طويلة سياسة تناهض التعليم المختلط.
على المستوى الرسمي، خصصت الإدارة الحالية للولايات المتحدة مبلغ 297 مليون دولار لتمويل التوسع في مدارس الجنس الواحد في القطاع الحكومي، وقد أتت هذه المبادرة بعد الملاحظات التي تم تعديلها عام 2002 على القانون (IX) لتصبح هناك مرونة كافية تسمح بإنشاء فصول ومدارس لتعليم الجنس الواحد في المرحلتين الابتدائية والثانوية. فقد أشار تقرير صدر في أبريل الماضي عن وزارة التربية والتعليم الأميركية أن عدد المدارس الحكومية غير المختلطة قد بلغ 223 مدرسة، بمعدل زيادة سنوية قدرها 300 في المئة، وبلغ عدد الولايات التي تقدم تعليما غير مختلط 32 ولاية أميركية، كما أن عدد المدارس غير المختلطة زاد في المملكة المتحدة خلال الأعوام الأربعة الماضية خمسة أضعاف ما كان عليه في بداية القرن الحالي، بالإضافة إلى أن عدداً كبيراً من المدارس قد عاد ليخصص فصولاً تجريبية لتعليم البنات وأخرى لتعليم البنين، كما ظهرت مؤسسات عالمية عدة لرعاية ما عرف بتربية الجنس الواحد.
لا شك أن الدستور الكويتي ينص على أن لكل نائب الحق في تقديم الاقتراحات والقوانين. إلا ان هناك ضوابط عرفية مبنية على الملاءمة السياسية وضوابط الشريعة الإسلامية. ويبدو أن النائب المحترم علي الراشد تقدم باقتراح الإلغاء قانون منع الاختلاط ولم يراع أي ضوابط في ذلك التقديم، إذ إن الاقتراح لا يتمتع بأي ملاءمة سياسية لا من ناحية التوقيت، ولا من ناحية التنسيق بالكتل والنواب، ولا من ناحية اقتناع الشارع به، فضلاً عن مخالفته قواعد الشريعة الإسلامية.
لا يبدو لي في اقتراح النائب الراشد أي من الأمور التنموية أو الإصلاحية، بل الأدهى والأمر أن هذا الاقتراح قد أشغل الشارع بقضية محسومة وبالغالبية الساحقة من النواب، وأيضاً الحكومة، فالنائب لا يريد من هذا الاقتراح سوى تسجيل موقف حزبي من دون إعارة اهتمام لوقت المجلس. وأخيراً لا يمكنني تسمية ما قام به نواب التحالف سوى عبث سياسي لا مصلحة مرجوة منه، وسقطة سياسية تسجل في سجل «التحالف الوطني».
ناصر ناجي النزهان
كاتب كويتي
[email protected]