هيام الجاسم / في الصميم / المعيار التنموي في الوعاء المجتمعي!

تصغير
تكبير
لن تستقيم حياة الدول والمجتمعات من دون أيدولوجيات ورؤى سياسية ترسمها الحكومات لتثبيت خط مسارها في الداخل والخارج، لن تنجح الدول في ضمانة استقرارها من دون سياسات واضحة لها ولشعوبها ومع من حولها.

الشفافية والوضوح في رسم الرؤى الاستشرافية أكبر رسالة توصلها الدولة لكل من تتعاطى السياسة معه لتثبت لهم أن نحن هنا، وبالكيف والقناعة التي نرسمها نحن لا أنتم!

تلك هي خطورة وأهمية رسم الأيدولوجيات الشفافة لأي دولة أنها تحمي نفسها من شراسة من يطمع في استنزافها داخلياً وخارجياً، رسم تلك الأيدولوجيات ومن ثم تقنين مسار خطوط وأشكال ومجالات التنمية، بل وإعلانها عياناً جهاراً يقطع الطريق على كل ناهب سارق لمقدراتها سواء من داخل البلاد مدّعياً الوطنية، أو من خارج البلاد متزيّناً بحسن الديبلوماسية وأوهمنا باحترامه للحقوق الدولية.

لا بد في مبدأ الأمر ونهايته أن نؤمن أننا بلا أيدولوجية ولا صبغة للتنمية، لا ضمانة لنا لأن نكون عروس الخليج كما كنا في سابق عهدنا، بل سنكون عجوزاً شمطاء تجر أذيال الخيبة من داخلها ومن حولها!

بصراحة تامة ومن صميم القلب إلى صميم القلم أكتب وأنا متيقنة أن أفراد المجتمع من المواطنين لا يهمهم أي شكل من أشكال التنمية ما لم تلامس حياتهم مباشرة وعن قرب، وما لم تحدث انقلابات إيجابية في دنياهم ويشعرون أنهم يرفلون وينعمون في ظل دولة تحبهم وتحميهم وتؤمّن لهم قوانينا لصالحهم عن قرب وعن كثب وبملامسة جادة جداً، بصراحة ما لم يكن ذلك وحتى يحصل ذلك وإلا فأفراد المجتمع سيظلون محبطين منهكين حزينين منزعجين، ولا ندري هل الولاء للدولة والوطن سيستمر أم سيضمحل مع الأجيال القادمة؟

حقيقة إنه لأمر جد خطر على كيان الدولة وأفرادها أن يفقد المواطن الأمان في ظل دولته، أنا لا أكتب عن الأمان وفق رفع سقف الحريات فذلك مكفول مكفول، وإنما أكتب عن فقد الأمان الخدماتي المباشر الذي ينشد المواطن الرفل بهناء في ظله، والذي يجعله يرفع رأسه لا يطأطئه، يخرج من بيته منتعشاً واثقا لإجراء معاملاته التي تصب في مصلحته بدلاً من أن يقوم بمعاملاته وهو مستثقل لها متبرم من واقع طارد لا جاذب له في وسط دوامتها المزعجة.

لذا فأنا أراها قضية كبرى بل معضلة عظمى إن لم نتداركها وننتبه لتبعاتها في دولنا ومجتمعاتنا...

إنما هي سلسلة متتابعة أولها رسم أيديولوجية لسياسة الدولة، ثم تليها رسم خطوط ومسارات ومجالات وآليات التنمية وإمكانات تطبيقها وترجمتها على أرض الواقع، واضعين في اعتبارنا أشد الاهتمام حقاً وحقيقة لمتطلبات واحتياجات المواطن مباشرة ومن قريب لا من بعيد بحيث يصبح ويمسي المواطن وهو متحفز في المتابعة لشأن دولته ومجتمعه، وستضمن الدولة وحكومتها ارتفاع منسوب الولاء والانتماء للوطن والقيادة، وستزهو الشعوب إعجاباً وفخراً بكل ما يمت بصلة بدولتهم، عزيزي القارئ من أجل أن تكون مواطنتنا حقاً ذات معنى أصيل متجذّر لا بد لمن يتولى رسم سيناريو التنمية المقبل أن يغرد داخل السرب لا خارجه، ويداً بيد مع معاناة المواطن ومطالبه...

لا نريد لأنفسنا أن نكون تلك الحمامة التي ما عرفت تمشي مشيتها، ولا هي استطاعت أن تقلد مشية الغراب!



هيام الجاسم

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي