حسين الراوي / أبعاد السطور / تُجار الألم

تصغير
تكبير

انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ جداً، تلك الأماكن التي تُمارس فيها قراءة القرآن الكريم، وبيع الزيوت والمياه والكريمات والأعشاب، بدافع الرقية الشرعية على المرضى والمصابين بالسحر والمس والحسد.

في الحقيقة، إن أمر هذه الأماكن خطير جداً، لأنها بلا رقابة ولا متابعة ولا تخضع لأي قانون ينظمها ويرتبها ويهذبها، حتى تكون على الشكل الصحيح السليم. قراءة الرقية الشرعية اليوم أصبحت مهنة من لا مهنة له، إذ كثر وانتشر هؤلاء القراء في الكثير من السراديب والشقق لقراءة القرآن الكريم وقراءة الأدعية والأذكار على تلك المجاميع الهائلة من الناس المصطفين على أبوابهم، على سائر اختلاف عللهم وأسقامهم التي يشتكون منها.

إن بعض هؤلاء القُراء يتعاملون مع مراجعيهم بالطمع والجشع وانعدام الضمير، لأن الدافع الأول عندهم في ممارسة هذه المهنة جمع المال بأي شكل كان، ولو عن طريق الدجل والاتجار بآلام الناس الذين لجأوا إليهم من أجل أن يخلصوهم بمشيئة الله مما يعانون منه. وهناك من القُراء من يعرض على مراجعيه زيتا وماء وكريمات وأعشابا وشايا وأشياء أُخرى، بحجة أنه قد قرأ عليها القرآن الكريم، فيذهب ويبيعها لهم بأضعاف ثمنها الحقيقي المتعارف عليه بالأسواق. لذا ترى بعض هؤلاء القراء في فتره قصيرة يتبدل حاله مئة وثمانين درجة، فيلبس أحسن الثياب، بعدما كانت ثيابه رثة، ويركب سيارة فخمة بعدما كان يركب سيارة متواضعة، وربما انتقل من مسكنه لمسكن آخر جديد لم يكن يحلم في أن يمتلكه يوما من الأيام. وهذا كله عن طريق الاتجار بآلام الناس. كم أتمنى من الأخوة المسؤولين في وزارة الداخلية والأخوة المسؤولين في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن يتعاونوا ويُنسقوا في ما بينهم للالتفات لظاهرة قراءة الرقية الشرعية التي انتشرت في مناطق البلاد كافة، فليس من المعقول أن يُسمح لكل من أراد أن يجمع المال بأن يمارس هذه المهنة بلا حسيب ولا رقيب! على وزارة الداخلية أن تكون هي المسؤولة عن منح الترخيص الخاص لهذه المهنة لمن أراد أن يمتهنها بعد التأكيد من حسن سيرته الشخصية، وبعدما تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعمل اختبارات خاصة لمن يريد ممارسة هذه المهنة، كأن يُختبر في صلاح عقيدته وسلامة منهجه ومدى حفظه المتقن للقرآن الكريم بالقدر الذي تتطلبه هذه المهنة.

كذلك يُلاحظ في البلاد في الآونة الأخيرة انتشار صنف من المستنفعين يعالجون الناس عن طريق الأعشاب وتدليك الجسد، عبر عقد جلسات خاصة مشروطة بمبالغ مالية متدرجة السقف، ولقد بلغ الأمر ببعض هؤلاء المستنفعين أن يتسببوا بكل جهل في عقم بعض من يراجعهم من النساء والرجال وانتشار بعض الأمراض الجلدية فيهم، بسبب تلك الأعشاب السامة والخطيرة التي يُقدمونها للناس، وهم لا يدركون مدى تأثيرها غير الصحي عليهم، لذا أيضاً على الأخوة في وزارة الداخلية أن يتابعوا هؤلاء الذين يدعون دجلاً علاج الناس عن طريق الأعشاب والتدليك، لتوقف عبثهم في حياة ومستقبل من يراجعهم من البسطاء والسُذج.


حسين الراوي


كاتب كويتي

[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي