No Script

د. وائل الحساوي / نسمات / الصلابة

تصغير
تكبير
من القصص التي لاأزال أذكرها عن والدي - حفظه الله - هي قصة الصلابة التي كانت مركوزة سابقاً في ساحة الصفاة - مركز العاصمة - وهي عبارة عن خشب على شكل صليب كان يُربط به الذين يرتكبون الجرائم كالسرقة ويُضربون ويظلون معلقين بها أياماً متعددة.

يقول الوالد بأن الناس قد شاهدوا رجلاً قد أمسك بالصلابة وأخذ يقبلها بحرارة، فتعجب الناس من تقبيله لخشبة وسألوه عن السبب، فقال لهم: إن لهذه الصلابة الفضل بعد الله تعالى في هدايتي إلى الصراط المستقيم.

سأله الناس: وكيف ذلك؟! فقال: لقد أخبروني في العراق ان الكويت بلد مفتوح ويمكنني بسهولة أن أكسب ثروة كبيرة فيه دون عناء، فسافرت إلى الكويت وفي نيتي أن أسرق لكي أكوّن ثروة كبيرة وبسهولة، فلما وصلت الكويت رأيت مواطنا كويتيا مصلوبا على الصلابة ويتم ضربه بقوة، فسألت عن قصته فأخبروني بأنه قد سرق كيسا من الأرز أو الشعير، فقلت في نفسي: إن كان هذا المواطن قد سرق شيئاً بسيطا ونال مثل هذا الجزاء، فما مصيري إن صادوني متلبسا بالسرقة؟!

بعدها عزمت على ترك السرقة والعمل الجاد، فكونت ثروة كبيرة بفضل الله تعالى من العمل الحر.

لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه عن سرقة أو فساد منظم وغير منظم في الكويت حتى تعودت أسماعنا على تلك القصص، فتارة بضاعة فاسدة يروجها تجار ومطاعم، وتارة وجبات غذائية لأطفالنا في المدارس، وتارة تزوير في أوراق رسمية وتلاعب في الأسعار، وتارة عن طريق ترسية مناقصات حيوية على شركات وهمية أو غير مؤهلة.

يقولون ان السبب في انتشار الجرائم والسرقات هو تغير نفوس الناس وضعف الوازع الأخلاقي، ويقولون ان الجرائم الكبيرة يقوم عليها علية القوم وأشرافهم ممن لا تصلهم العقوبة، وأقول ان ما ذكرتموه هو جزء من السبب ولكن السبب الحقيقي هو اننا ألغينا الصلابة من حياتنا.

ولست أقصد بالصلابة تلك الأخشاب ولكن ما أقصده هو «العقوبة الرادعة» والتي تقام على مرأى ومسمع من الناس.

إن من يعتقد ان وازع الضمير يكفي للقضاء على الجريمة هو إنسان واهم، ويقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وهو تصديق لقول الله تعالى: «وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين»، فالناس متى ما رأوا تطبيق الحدود على المجرمين فإنها ستترك أثراً نفسيا عميقا في نفوسهم بأن الفعل الخاطئ عقوبته وخيمة بينما ترك المجرم دون عقوبة له دلالات نفسية معاكسة.

وللأسف ان النظام القضائي والنظام الجزائي الحالي لا يحقق الردع الكافي بل قد يشجع على المزيد من الجرائم، هذا إذا تم تطبيق العقوبات، فكيف بمئات القضايا التي تتدخل فيها الواسطات قبل الوصول إلى القضاء ويتداولها القضاء لسنوات طويلة ما يضعف من الرادع الأخلاقي لفعلها.

إن منظمات حقوق الإنسان التي أرعبت الناس من تطبيق العقوبات الرادعة بحق المجرمين بحجة الرحمة إنما تشارك مشاركة فاعلة في انتشار الجريمة، فهم قد نظروا إلى الرحمة من جانب واحد في ما يتعلق بالمجرمين ونسوا أن الضحية الحقيقية وهي المجتمع الذي تقع فيه الجريمة هو الأحق بالرحمة.

يحدثني أحد الاخوة الذين درسوا في الولايات المتحدة الأميركية ان المدرس بعد أن تكلم مطولا عن الجريمة في أميركا، قال للتلاميذ: هل تعرفون ما هو الحل للجريمة؟ إنه تطبيق الحدود الإسلامية على المجرمين!!

وقد كان الشيخ جابر الأحمد - رحمه الله - تواقاً إلى تطبيق قوانين الجزاء الإسلامية في الكويت، فهل يحقق حكامنا تلك الرغبة التي تمثل ماضي الكويت التليد وحاجة الناس اليوم؟!





د. وائل الحساوي

wael_al_hasawi@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي