د. عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / المارمولاك

تصغير
تكبير
العنوان أعلاه هو اسم فيلم، وهو ما اصطُلِح على ترجمته إلى اللغة العربية باسم «السحلية» يحكي قصة لص محترف يجيد (التسلق) على الجدران بطريقة مبهرة، وكان قد هرب من السجن بعد أن ُحكِم عليه بالسجن المؤبد، ولكن أقدار الله هيأت له الظروف ليجد نفسه وسط قرية حدودية، غالب أهلها من الطبقة الكادحة البسيطة في المجتمع.

وحيث انه هرب من السجن بلباس رجل دين، فقد ظنه الناس شخصاً صالحاً، وذا دعوة مستجابة لا ترد، رغم أنه لم يكن يعرف للمسجد طريقاً، ولا إلى الله سبيلاً، غير ما هو مكتوب في شهادة الميلاد، ولأن أغلب الناس تتأثر بالمظاهر والشكل الخارجي أكثر من أي شيء آخر، ولأنهم كذلك يقدمون حسن الظن على سوء الظن، فلم يفكروا لحظة أن تحت تلك الثياب لصاً محترفاً هارباً من قبضة العدالة، وعاملوه كما يُعامَل رجل الدين بكل احترام وتقدير وتوقير، يصل إلى التقديس والتبرك أحياناً.

لقد أجاد المخرج كمال تبريزي في تصوير قضية متكاملة الجوانب، قصة تتوالى أحداثها في قالب كوميدي مضحك، وهكذا هي الدنيا، فشر البلية ما يضحك، حتى يكتشف الناس في النهاية أنهم كانوا مخدوعين بهذا الشيخ المزيف، الذي قدموه للصلاة وهو لا يعرف أبجدياتها، وأتوا إليه بصبيانهم وفتياتهم ليقرأ عليهم القرآن، ويتباركوا بأنفاسه، وهو لا يحفظ من القرآن شيئاً، إلا ما ندر.

اللص «المارمولاك» أو «السحلية»، أو المتسلقون عموماً، هم كل من يتسلق من خلال المبادئ والقيم، بل حتى الدين، ليصل إلى غاياته الخاصة، ورغباته الشخصية، التي لا تربطها بتلك المبادئ أو القيم أو الأفكار أي رابط، المشكلة أن هناك كثيرا من الناس ينخدعون بمثل تلك النماذج التي تتغنى بالمثل العليا، حتى إذا ما شبعت، نسيت أيام الجوع والفقر، وتناست حاجات الناس وهمومهم ورغباتهم، وبدأت تتحدث بلغة أهل السياسة الملوثين.

أخس نماذج «المارمولاكيين» أو المتسلقين من وجهة نظري، من يجعل الدين تكية يصعد على ظهرها لقطف ثمار الدنيا وزهرتها، ويفتح من خلاله أبوابها وكنوزها، التي لطالما حذرنا منها، وبأنها ملعونة، ملعون ما فيها، وإذا به هو المستحق لتلك اللعنات إلى يوم القيامة، لأنه استثمر الدين لمصالح الدنيا، فهو يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، هكذا هم المتسلقون دائماً فاحذروهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

***

أبارك لأخي وصديقي وزميلي إبراهيم العتيبي بمناسبة ترقيته لمنصب مدير إدارة مساجد محافظة الجهراء، ومنها لأعلى يا بوعمر.





د. عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي