لغة الأشياء / عن المعرض و أشياء أخرى!

تصغير
تكبير
| باسمة العنزي |
عادة سنوية لم تنقطع منذ سنوات الطفولة، تختلف التواريخ في رزنامة الفصول ويبقى لتوقيت معرض الكتاب السنوي نكهة خاصة، لا يدركها سوى من شغف بملس الورق واستهوته القراءة بعالمها الساحر ونبضها المتدفق بالحياة.
كل الطرق تؤدي لمشرف، أرض المعارض، اكتظاظ السيارات في المواقف، أفواج من السائقين الآسيويين يخنقون المرور في دائرة قطرها نصف كيلو متر، نسمات هواء ليلية منسابة على العشب الأخضر وإسفلت الشارع.
في الداخل لا يتبين لك من القارئ ومن المستهلك ومن الذي قذفته خطته الترفيهية هنا؟! هناك من يمشي ببطء شديد يستفزك، وهناك من يهرول فلا وقت لديه للإلمام بما حوله من عناوين، وهناك دائما أطفال يبحثون عن عربة العصير وأكياس الشيبس، ودفاتر التلوين للشخصيات الكرتونية التلفزيونية!
الجو حار في الداخل وكشافات الإضاءة القاسية تزيد الأمر سوءا، عدم وجود كراسي للاستراحة- باستثناء بضعة كراسي مشغولة دائما- وحمل الأكياس الثقيلة إن كانت الحصيلة دسمة، يجعل الزائر يفكر سريعا بالفرار من أتون المعركة!
زيارتي الثالثة للمعرض هذا الأسبوع، أدخل من البوابة نفسها دائما دون تخطيط، تصدمني الإضاءة وحرارة الجو أشعر أني أتجول بإرادتي داخل صندوق حديدي، المكان محايد بلا رائحة، المتجولون يملؤونه بروائح غريبة بعضها مؤذ والآخر رخيص، سيدة تضع عطر برايفت كولكشن، ابتهج لدقائق وتمر في بالي أكثر من فكرة!
المعرض للسنة الخامسة والثلاثين لا يبدو أنضج أو أبهى من الأعوام السابقة، بالعكس فقد بريق الجاذبية في ظل تنامي ظاهرة العزوف عن القراءة وتخبط الأجيال الجديدة بعيدا عن مضمار اللغة، ووجود الكثير من المنافسين الشرسين.
بين القاعتين معرض الفن التشكيلي، لوحات داكنة بتكوينات بسيطة وأسعار باهظة، الانحدار لم يكن فقط مقصورا على الأدب، الفن التشكيلي وصلته العدوى والدليل ما هو معروض أمامي من تهويمات لونية رسمت على عجل وبلا روح لمقتني ثري يطيب له أن يزين جدرانه بحفلة الألوان القاتمة الباعثة على فقدان الأمل التدريجي.
هيئة أبو ظبي للثقافة و التراث بمشروعهم الأجمل للترجمة، مشاركتهم في المعرض كانت نقطة أمل تقفز فرحا في بياض الصفحة، عناوين الكتب المترجمة والزخم الحقيقي المصاحب لمجهود فريق من العاملين في هذا المشروع الجاد قادر على إيجاد قارئ ما، يبحث في كومة القش عن مصباح معرفته.
حفلات التوقيع في الطاولات المحشورة بين أرفف الكتب، ظاهرة دور النشر الجديدة الشبابية المهتمة بعالم الرعب ومصاصي الدماء وتنامي قراء هذه الدور من الشباب، وجود موظفين للاستعلام عن العناوين وأحيانا معلوماتهم غير دقيقة، بدلا من توافر أجهزة حاسوب عامة لمرتاد المعرض يستخدمها دون الحاجة لحشد من الموظفين. الكثير من الملاحظات السريعة أتمتم بها لنفسي وأنا أهم بالخروج. إلا أن أكثرها غرابة بالنسبة لي ملاحظة الإعلان عن حفل توقيع الكاتب والشاعر والناقد والاقتصادي وصاحب دار النشر والفيلسوف، الذي تشبه شطحاته كتابة «رجل عادي بطعم الركاكة الأدبية» على روايته في معرض الكتاب في الكويت، الكويت التي أسماها «البدوية» في روايته السابقة وكان يعيب عليها الكثير، أما كان يجدر به ألا يحرج نفسه بالتقرب من قارئ «البدوية»؟!
أمضي في طريقي حاملة مقتنياتي التي اعتبرها الأثمن، واعدة نفسي بقراءة رائقة تشبه رذاذ عطر برايفت كولكشن في مساء خريفي!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي