علي سويدان / الكتاب... والحرية

تصغير
تكبير
الكتابة خلاصةُ الفكرِ وثمرةُ ثقافةِ الكاتب، وهي لون من ألوان العطاء الصادق، والكتاب صفوةُ جهدِ كاتبه وهو جُملةٌ من المشاعر والأفكار والعلوم التي يعبر من خلالها الكاتبُ عن علمٍ يحمله أو فلسفة يتبناها، ولعلنا لمسنا ورأينا ممارساتنا للديموقراطية حين أخذناها من الآخرين كما هي ظنّاً منا أنها العصاة السحرية التي تهبنا الأمن والسلام في مجتمعاتنا، لا نريد الترويج أو الدعوة إلى ممارسة التسلط أو القمع أو تكميم الأفواه في بلاد العرب، ولكننا في الوقت ذاته نقف بحذر من ممارسات غير واعية تحت مسمى الديموقراطية، ففوضى التراشق في بعض دولنا العربية على حساب وحدة الوطن وسلامة الجسم الوطني إنما هي صورة من صور الممارسة المريضة للحرية، صحيح أن للحرية طعما ومذاقا خاصا غير أن مذاق الحرية لا يتلذذ به من أساء التصرف في ممارسة تلك الحرية، تماماً كما لو حصل شاب مراهق على خنجر أو سكين فاستخدم ذلك السلاح دون إرشاد أو من غير تدريب على استخدامه ستكون النتيجة مؤسفة، ويومها لا ينفع الندم، إن الحرية في الكتابة والنشر والتوزيع أمر تحكمه الإرادة الواعية، وينتظم ذلك الوعي في حب وانتماء الإنسان لوطنه، وأدبه ورُشده في ممارسة تلك الحرية دون المساس بحرية الآخرين أو لمسِ الوحدة بين أبناء الوطن الواحد؛ لكننا وللأسف سلكنا مع الحرية مسلكاً نسينا معه الوعي وتجاهلنا هيبة القانون، وظننا أن حرية التعبير تمنحنا تجاوزَ مجالات الآخرين فمسسنا خصوصياتهم وخدشنا انتماءَهم لدينهم وفهمنا بتسرع أن الديموقراطية قد تفوِّضُنا أن نُلزم الناس بدينٍ معين أو مذهب محدد أو فكر خاص! إن منظومة التفكير التي نتبنّاها تنبع، دون شعور منا، من فلسفة قائمة على إلغاء الآخر وهذه الفلسفة معظم مكوناتها تستند إلى الأنانية في ذاتنا، والانحياز بتعصب إلى أنفسنا، ونسينا أن الإنسان إنما سُمِّيَ إنساناً لأنه مجبولٌ على الأُنس والتآنس مع الناس في أفكارهم وثقافاتهم وقناعاتهم، فإذا تجردنا من تآنُسنا مع الآخر وتجاهلنا احترام فكره فقد تجردنا بذلك من إنسانيتنا وسلكنا مسلكاً وحشياً، تلفظنا بسببه البشريةُ ويُدينُنا به التاريخ، نحن في أمس الحاجة إلى تصحيح قناعاتنا إلى قناعات مبنية على احترام الآخرين واحترام القانون وتقديس الوطن والوحدة بين أبنائه، والأفضل من انتقاد الرقابة أنْ نعود فنصحح ممارساتنا للحرية، ونُراجعُ عن كثب ميزان الصدق في حكمنا على الناس، فما يمارسه العرب اليوم في معظم الأحوال لا يمكن أن نطلق عليه (حرية)، ومن المؤسف أن نسمي ذلك (ديموقراطية).



علي سويدان

كاتب وأكاديمي سوري

Swaidan8@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي