نجاد في بيروت وعلى الحدود... زيارة «مثيرة للجدل» / قراءة مع خبيريْن عن دلالات الزيارة الحدث في لحظة إقليمية ومحلية متوترة

كسْر للعزلة أم تعزيز للنفوذ؟

تصغير
تكبير
حين انتُخب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمرة الأولى في يونيو 2005 شكل اختياره صدمة للرأي العام الدولي. يقول البعض عن احمدي نجاد إنه يمهد الأرضية لعودة الإمام المهدي، هو الوافد من الفئات الشعبية التي جاء منها وتَحاور معها، منذ أن تبنى مكافحة الفقر، وتوزيع الثروة بين الناس على أساس عادل، ومنذ أن اختار مسلك العيش المتواضع بعد تربّعه على كرسي رئاسة الجمهورية الإسلامية بمباركة الولي الفقيه، نائب الإمام.

واليوم، تأتي زيارة الرئيس الإيراني للبنان مغلفة بالعديد من الدلالات السياسية والاستراتيجية. فذاك المهدوي، المنتمي عقيدياً وسياسياً إلى التيار المحافظ، والحالم بدور عالمي لجمهوريته بعدما استفاض في مخاطبة الرأي العام الدولي، لن تكون محطته في لبنان عادية، بل تحوّلت قبل حصولها زيارة «مثيرة للجدل».

وزيارة نجاد للبنان ليست الأولى على هذا المستوى الرسمي الرفيع، فقد سبقه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي العام 2003 متبنياً شعارات حوار الحضارات، ومنادياً بالتعددية ومصالحة إيران مع العالم. ولكن ما إن اجهضت تجربة الاصلاحيين حتى انقلبت الصورة، وتبدلت الاجندات على إيقاع إستعادة مصطلحات الاستكبار العالمي، والمستضعفين، و«الموت لأميركا» ولأعداء الولي الفقيه.

سقوط بغداد العام 2003 أي قبل عامين من تولي احمدي نجاد الحكم، لم يكن حدثاً عابراً بالنسبة إلى إيران. فهذا السقوط المدوي أكسبها مزيداً من النفوذ والرهانات عبر الشيعية السياسية وحلقاتها المتواصلة. علماً أن نفوذ طهران في العراق وأفغانستان لا يقل تأثيراً عن حضورها السياسي المتصاعد في لبنان عبر دعم «حزب الله» استناداً إلى الايديولوجية الثورية بدءاً بالعام 1982.

وزيارة احمدي نجاد تظللها تحولات إقليمية نوعية، بدءاً بالانفتاح السوري على المجتمع الدولي وما استتبعه من محاولات الرئيس بشار الأسد كسر عزلتها السابقة، مروراً بالمفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية المباشرة، المهددة بالفشل وما يرتبط بها من ملفات على الجبهتين السورية واللبنانية، وصولاً إلى بحث واشنطن عن وكيل بديل من الشاه في المنطقة، في ظل تنازع ثلاثة افرقاء على هذه الوكالة: إيران، تركيا، واسرائيل.

وإلى أن تتضح معالم الصورة، تواصل طهران تعزيز نفوذها عبر «حزب الله»، مع ما يُثيره هذا الأمر من انقسامات بين القوى السياسية اللبنانية وصولاً إلى اتهام طهران بأنها «تريد تحويل لبنان قاعدة إيرانية على البحر المتوسط». والسؤال: هل أثبت القيادة الإيرانية المتحالفة مع دمشق قدرتها على الامساك بالملف اللبناني؟ وما دلالات زيارة نجاد في هذا التوقيت بالذات وما معنى أن تحصل بعد القمة الثلاثية اللبنانية ـ السورية ـ السعودية أواخر يوليو الماضي؟

«الراي» حملت هذا الملف إلى استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية والخبير في الشؤون الإيرانية الدكتور طلال عتريسي، والاستاذ في العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر.



ظروف اقليمية جديدة

أكد استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية د. طلال عتريسي أن زيارة الرئيس الإيراني للبنان تتقاطع مع ظروف إقليمية جديدة، مشيراً إلى أهمية الزيارة بالنسبة إلى «حزب الله» لجهة ما يمكن أن يحمله القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري من تداعيات على أهم حليف استراتيجي لطهران. ورأى أن العلاقات اللبنانية ـ الإيرانية منذ قيام الثورة مرت بحال من المد والجزر، وعادت إلى طبيعتها بعدما استأنف لبنان علاقته مع دمشق.



• ما قراءتكم السياسية لتوقيت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان؟

تأتي الزيارة في سياق اهتمام إيران بتوطيد علاقاتها مع دول المنطقة عموماً، ومع سورية ولبنان خصوصاً. وهي ليست المرة الأولى التي يزور فيها رئيس إيراني لبنان، اذ سبق أن زاره الرئيس محمد خاتمي، واقيم له استقبال كبير. واليوم تتقاطع زيارة احمدي نجاد مع ظروف مختلفة لبنانياً وإقليمياً، ما يعطيها أبعاداً كثيرة، لأن لبنان يشهد انقساماً حاداً حول القرار الظني، وهناك مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية، ومناخ من التهديدات الإسرائيلية المتكررة ضد إيران. لهذا السبب هناك تركيز على هذه الزيارة بما يرافقها من تحولات إقليمية وداخلية. وفي كل الأحوال أظن أن الرئيس الإيراني يريد أن يقول ان إيران معنية مباشرة بما يحدث في لبنان، وأنها عبر هذه الزيارة تريد تأكيد دعم خط المواجهة مع إسرائيل.

• العلاقات اللبنانية ـ الإيرانية مرت بحال من المدّ والجزر قبل الثورة الإسلامية وبعدها. كيف يمكن رسم ملامح هذه العلاقات منذ الثورة وصولاً إلى المرحلة الراهنة؟

صحيح أن العلاقات الإيرانية ـ اللبنانية مرت بمد وجزر وشهدت قطعاً للعلاقات الديبلوماسية، غير أنها وصلت إلى صورة ممتازة بعدما عقد الرئيس رفيق الحريري عشرات الاتفاقات في مجالات مختلفة مع الجانب الإيراني. بدأت العلاقة بين لبنان وإيران بعد انتصار الثورة الإسلامية في شكل رسمي، ولكن بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وانهيار مؤسسات الدولة، وصعود دور المقاومة، أصبح دور طهران أقوى مع المقاومة منه مع المؤسسات الرسمية التابعة للدولة. واستمر هذا الوضع حتى «اتفاق الطائف» العام 1989 لتعود علاقات إيران مع لبنان إلى المستوى الرسمي، ولتبدأ زيارات المسؤولين الإيرانيين من وزير الخارجية علي اكبر ولايتي بداية التسعينات، إلى المسؤولين الآخرين في مجالات مختلفة. لكن إيران لم تقطع علاقتها مع الأطراف الآخرين مثل المنظمات والأحزاب المختلفة، وحافظت على موقفها الثابت من دعم المقاومة ضد إسرائيل، خصوصاً مع صعود «حزب الله» كحركة جهادية. كما حافظت على مبادئها الثابتة من وجود إسرائيل نفسها، فلم تعترف بشرعية هذا الوجود، ولا بشرعية التفاوض معه. حركة التراجع التي حصلت في العلاقات اللبنانية ـ الإيرانية ظهرت في شكل ملحوظ بعد العام 2005 وتحديداً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان. في هذه الحقبة، بدأ التركيز على مخاطر الدور الإيراني على لبنان، وتجلى ذلك في الهجوم المباشر على «حزب الله» وطهران التي تدعمه. واستخدمت حينها المبررات الدينية تارة والقومية تارة أخرى. واليوم تعود العلاقات بين طهران وبيروت إلى مسارها الطبيعي، إثر التحولات في الواقع السياسي الداخلي اللبناني، واستعادة العلاقات مع دمشق.

• إلى أي مدى تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي عبر الورقة اللبنانية، وأي دور لـ«حزب الله» المرتبط ايديولوجياً بطهران في هذه المسألة؟

من الواضح أن لإيران دوراً اقليمياً لا أحد يستطيع أن يتجاهله. هذا الدور يبدأ بموقع إيران نفسها، وبحجمها السياسي وقدراتها المتعددة البشرية والمادية. ما يجري في محيط إيران المباشر، خصوصاً في العراق وأفغانستان، يؤكد محورية هذا الدور الإقليمي. لكن أهمية هذا الدور أيضاً تأتي من موقف إيران الثابت في دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين ضد إسرائيل. هذا الموقف يجعل إيران أكثر حضوراً في عموم المنطقة، ويجعل علاقاتها أكثر تعقيداً مع بعض الدول العربية، ومع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وهذا النفوذ لا يرتبط بـ «حزب الله» فقط، بل يتسع ليصل إلى أكثر من منطقة، وليساهم في تعقيد أكثر من قضية أو حلها، بدليل أن واشنطن تعرف تماماً أن جزءاً كبيراً من مشكلاتها في العراق وأفغانستان لا يمكن أن يحل بمعزل من التعاون مع إيران.

• اتخذت إيران موقفاً شبه معارض للمحكمة الدولية. لماذا في رأيكم تتخوف من تداعيات القرار الظني، وهل هي قادرة على حماية «حزب الله» في حال أشار قرار المدعي العام دانيال بلمار إلى تورط عناصر من الحزب في اغتيال رفيق الحريري؟

من الطبيعي أن تنتقد إيران المحكمة الدولية، والا توافق على القرار الظني الذي يتهم «حزب الله» لأسباب متعددة: الأول، «حزب الله» يمثل أحد حلفائها الرئيسيين وأي اتهام للحزب يقلق إيران ويضعف أحد أهم أدوارها الإقليمية، لهذا لن تتساهل في هذا الأمر. والثاني، إيران لديها تجارب مريرة مع مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، سواء في الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثمانية اعوام أو في تعامل المجتمع الدولي مع برنامجها النووي، بعدما فرض عليها عقوبات متتالية. إيران لا تثق بمجلس الأمن، فكيف إذا كان المستهدف من هذا المجلس «حزب الله» أحد حلفائها في المنطقة.

• إيران اليوم دولة إقليمية. هل يساعدها هذا العامل في دخول تسوية معينة مع واشنطن على حساب علاقتها مع «حزب الله»؟

إيران لديها مشاكل كثيرة مع واشنطن منذ انتصار الثورة الإسلامية، وواشنطن تحاصرها وتفرض عليها العقوبات، ولكن رغم ذلك وبسبب التورط الأميركي في العراق وأفغانستان والذي أدى إلى فشل المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، تشعر واشنطن بأنها في حاجة إلى التفاهم مع طهران حول كيفية التعاون في العراق، لجهة انتظام القوى السياسية، وكذلك في أفغانستان لجهة الانسحاب الأميركي الذي سيحدث قريباً. وقد حصلت لقاءات بين الطرفين وتم التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي، ولكن من الصعب أن تتخلى إيران عن «حزب الله» خصوصاً بما يمثله من دور مقاوم ضد إسرائيل بغية الحصول على مكسب ما من الولايات المتحدة. وفي رأيي أن إيران لا تحتاج إلى اثبات نفوذها في الشرق الأوسط، فقد عززت حضورها السياسي في العراق وأفغانستان، وبالتالي حققت مطالبها من دون أي مقايضة مع الإدارة الأميركية، لذلك لا تحتاج إلى التضحية بـ «حزب الله» بهدف بناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة.

• من المقرر أن يزور الرئيس الإيراني الجنوب ويطل على فلسطين المحتلة من «بوابة فاطمة». ما دلالة هذه الزيارة بالنسبة إلى إيران الثورة التي أصبحت طرفاً أساسياً في الصراع مع إسرائيل؟

الزيارة للجنوب لها طابع رمزي. وعلى المستوى الشخصي لدى الرئيس أحمدي نجاد رغبة قوية في أن يرى الأراضي الفلسطينية بأم العين. وقد يكون لديه رغبة قوية في أن يرمي حجراً على المستوطنات، في الوقت الذي يكرر فيه الرئيس الإيراني في كل المحافل الدولية أن إسرائيل كيان غير شرعي. فكأنه بهذه الزيارة يريد أن يؤكد هذا الموقف حول لا شرعية إسرائيل، ويريد أن يؤكد أيضاً ارتباطه الشخصي بالقضية الفلسطينية عبر إبراز تأييد بلاده الثابت للمقاومة الفلسطينية، ولحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره، ولضرورة إزالة هذا الكيان من الوجود. هذه هي الدلالات الرمزية والسياسية التي يمكن أن تتخذها زيارة الرئيس الإيراني للجنوب.

•بعض القوى السياسية اللبنانية ترفض في شكل واضح الدور الإيراني في لبنان وتحديداً منذ حرب يوليو 2006. هل سيكون وقع زيارة الرئيس الإيراني مماثلاً لزيارة سلفه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي؟

سيكون هناك اختلاف، فبعض القوى السياسية تعترض على زيارة الرئيس الإيراني انطلاقاً من مواقفها السياسية من «حزب الله»، واقترابها من سياسات أخرى عربية ودولية. وربما قامت هذه القوى بحملات إعلامية ضد هذه الزيارة، لكن هذا الامر سيكون ثانوياً لأن الرئيس الإيراني سيحظى باستقبال رسمي وشعبي مهم. وأظن أنه سيلتقي قادة الطوائف والاحزاب، ما يعطي لزيارته طابعاً رسمياً وشعبياً من دون أن تتأثر ببعض أجواء الاعتراض، وسيتم استقباله مثل رئيس أي دولة.



دعم لـ «حزب الله»

في قراءة سياسية لزيارة احمدي نجاد توقف استاذ العلاقات الدولية د. سامي نادر عند الظروف الإقليمية المحيطة بها، بدءاً بالمفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية وصولاً إلى الصراع بين أنقرة وتل ابيب وطهران على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. ولفت إلى أن الزيارة تحمل رسالة دعم لـ «حزب الله» وتنطوي في الوقت نفسه على رسالة إلى الأميركيين تتعلق بأهمية الدور الإيراني المقبل.

• زيارة الرئيس الإيراني للبنان تتقاطع مع ظروف إقليمية متوترة لا سيما على صعيد تعثر المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين وحال الانقسام التي تسيطر على لبنان. كيف يمكن قراءة هذه الزيارة في ظل العاملين المذكورين؟

الساحة اللبنانية اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات بسبب غياب الدولة، وغياب مقومات العقد الاجتماعي بين المواطن والمؤسسات الرسمية. القوى السياسية في لبنان تمثل امتداداً للأجندة الخارجية، من هنا تنبع حدة الازمات. والانقسام الراهن يعود إلى الازدواجية في معالجة الملفات سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي. وما يحدث من مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتقاطع مع محاولة طهران تثبيت نفوذها في أكثر من بلد في الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس يمكن قراءة زيارة الرئيس الإيراني للبنان، وخصوصاً أن هذه المفاوضات استبعدت الطرف الإيراني كما حدث في مؤتمر مدريد العام 1993 فاتجه الإيرانيون نحو المنحى الراديكالي بسبب استثناء طهران من محادثات السلام، وطبعاً فان الطرف الذي يريد إقصاء إيران، أي اسرائيل، يهدف إلى استغلال ضعف العرب. إيران تريد تكريس نفسها قطبا أول في المنطقة، كما تفعل إسرائيل وتركيا، وسبق أن طرح الإسرائيليين، وتحديداً شيمون بيريس، مشروع الشرق الأوسط الجديد، لكن الإدارة الإيرانية قاومت هذا الطرح عبر التوجه نحو المقاومة المسلحة وتبني الخيار الراديكالي، وتمثل ذلك في دعمها لـ «حزب الله» وحركة «حماس». وفي رأيي انه لو ضُمت إيران إلى المفاوضات لتغير الوضع. في الوقت الراهن، الصراع الحقيقي في المنطقة سوف يكون حول الوكيل الحصري للولايات المتحدة، وهو يدور بين تركيا وإسرائيل وإيران، وزيارة احمدي نجاد للبنان تصب في خانة دعم النفوذ، والتأكيد أن الجمهورية الإسلامية دولة إقليمية. ولكن مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين تزيد من عزلة طهران، لذا تسعى إلى التحرك في ملفات أخرى. وفي المقابل تسعى إسرائيل إلى إبراز إيران على أنها تمثل الخطر الوجودي الاشد عليها، وتسعى إلى تطويقها عبر الملف النووي وملفات أخرى، وتعمل على استمالة الطرف الاميركي للتفرد بورقة السلام. وقد نجحت نسبياً في ذلك، خصوصاً أن عرب الاعتدال يريدون تحقيق السلام بخلاف طهران التي تبنت المقاومة المسلحة عبر أذرعها. زيارة احمدي نجاد هدفها كسر عزلة إيران، وأحد تجليات هذا العزل هو استثناؤها من عملية السلام والحصار الاقتصادي الذي يفرض عليها. وتأتي زيارة الرئيس الإيراني لسورية قبل حضوره إلى لبنان، لتؤكد أن سورية ما زالت جزءا لا يتجزأ من المعسكر الإيراني.

• هل تهدف الزيارة إلى تأكيد الدعم الإيراني لـ «حزب الله» بغية الحد من تداعيات القرار الظني، وكيف يمكن تحديد سياقات هذا الدعم؟

طبعاً الزيارة ستبرهن دعم إيران لـ «حزب الله»، والهدف منها توجيه رسالة إلى الاميركيين تتعلق بأهمية الدور الإيراني المقبل. فرغم أن طهران تؤكد أنها لن تتدخل في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري كما أشارت بعض التقارير، إلا أنها من جهة أخرى تحاول التخفيف من تداعيات القرار الظني، علماً بأن لا أحد يعرف مضمونه حتى الآن. وفي حال أشار هذا القرار إلى تورط ما لـ «حزب الله»، فهذا سيؤدي إلى نزع المشروعية السياسية والشعبية عن الحزب، وهذا ما تحاول إيران معالجته. وفي رأيي أن إيران تتعامل مع «حزب الله» كورقة في مفاوضاتها الكبرى على المستوى المخابراتي مع الأميركيين، وتريد تحقيق صفقة مع واشنطن من أجل تسوية أوضاعها في الشرق الأوسط. ولكن في كل مرة تعقد تسوية غير معلنة يتدخل الإسرائيلي لتعطيلها لأن إسرائيل ستدفع الثمن. أما إذا حدثت الوساطة عبر الطرف الإسرائيلي فإن الأمر سيختلف. ولإيران تجربة تاريخية في هذا المجال بما عُرف بـ «إيران غايت» وقد كان لإسرائيل دور فيها، إذ تمكنت من تأمين السلاح للطرف الإيراني، وهو سلاح أميركي.

• تعقيباً على ما تقدمت به، هل يمكن أن تحدث مقايضة على حساب «حزب الله»؟

لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا المستوى. سبق لوزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أن قال في تصريح لجريدة «لوموند» الفرنسية انهم مستعدون للمفاوضات حول الشرق الأوسط بكامله، وسلاح «حزب الله» يمكن أن يساهم في تفعيل أي مفاوضات مرتقبة. ما تريده إيران يمكن وضعه تحت عنوان دعم التسوية في المنطقة، لذلك يصارع الإيرانيون وفقاً لهذه القاعدة، مع الإشارة إلى أنه منذ العام 2003 اكتسبت طهران نفوذاً أقوى في افغانستان والعراق، وساعدها في ذلك تخبط الأميركيين في كلا البلدين، ما دفعها إلى تقوية حركات المقاومة وفي مقدمها «حزب الله». وفي المحصلة، الإيرانيون مستعدون للتفاوض مع الأميركيين لأنهم عقلانيون، لكن الطرف الاسرائيلي يعطل مسار أي تسوية شاملة.

• لماذا جاءت الزيارة بعد القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت، وهل تراهن إيران على فشل نتائج هذه القمة وسط «توتر خفي» بين الرياض ودمشق؟

إيران تريد أن تقول إنها الطرف الأساسي في الشرق الأوسط وفي الشأن اللبناني خصوصاً، وتريد التأكيد أن القمة الثلاثية التي عقدت في بيروت لم تكن كافية. ومن جهة أخرى تسعى طهران إلى استمالة السوريين وتكريسهم في المحور الإيراني، وتقول للمجتمع الدولي: انتبهوا أنتم في حاجة إلى أ. س. س. أي إلى إيران وسورية والسعودية لتسوية الملف اللبناني، كل ذلك في ظل التنافس المحموم بين تركيا واسرائيل على تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. معلوم أن إيران التي لم تشارك في «اتفاق الدوحة» وافقت عليه وباركته. ولكن هناك تمايز واضح بين الاجندة الإيرانية والاجندة السورية في مقاربة ملفات المنطقة، والطرفان ليسا على تقارب في مسألة المفاوضات. فدمشق تريد الدخول في مسار السلام في سياق إعادة تموضعها، وتريد أن يكون لها دور شبيه بالدور التركي الذي يبني علاقات جدية مع الغرب، وهذا الأمر قد يساهم في إحداث تناقض بين طهران ودمشق، من دون أن يؤدي إلى إلغاء المسار الاستراتيجي بين البلدين.

• بين زيارة الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي العام 2003 وزيارة احمدي نجاد العام 2010 ما أوجه الاختلاف بين الاتجاه الاصلاحي والاتجاه المحافظ في مقاربة الملف اللبناني؟

الاختلاف عقيدي، فاحمدي نجاد مهدوي يؤمن بولاية الفقيه المطلقة، في حين أن خاتمي إصلاحي يمثل الإسلام المتنور، وينادي بالتعددية والحوار مع الغرب. في هذا المعنى فإن زيارة خاتمي للبنان كانت عنصر تهدئة، وحظيت بإجماع كل اللبنانيين، علماً أنه خلال ولايته ظل على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسيين اللبنانيين. اما احمدي نجاد فلم يحظ بهذا الاجماع لأن مقاربته للملف اللبناني تصعيدية واستفزازية ولا تهدف إلى دعم الحوار بين كل القوى.

• هل يمكن القول ان تراجع المشروع الأميركي في الشرق الأوسط أتاح لطهران فرصة أكبر للرهان على الملف اللبناني، وتحديداً بعد حرب يوليو 2006؟

لا أريد القول إن هناك تراجعاً، بل تعثر أميركي. الأميركيون لم يخسروا مشروعهم في المعنى الاستراتيجي. صحيح أنهم تعثروا في العراق وأفغانستان، لكن ذلك لم يشكل مصيبة بالنسبة اليهم. وهذا التعثر ساعد الإيرانيين في كسب مزيد من النفوذ وحاولوا الاستفادة منه، ليس على مستوى العراق فقط بل أيضاً على مستوى تعثر مفاوضات السلام، إذ لا مصلحة لهم في أن تحقق واشنطن السلام الشامل في الشرق الأوسط. ورغم هذا، يستفيدون تكتيكياً من تعثر المشروع الأميركي. وفي المقابل هناك تلاق مع الأميركي على المستوى الاستراتيجي. الصراع اليوم يدور حول حجم الدور الإيراني في الأعوام المقبلة، ومن سيكون له الدور الأبرز في المنطقة، تركيا أم اسرائيل أم إيران. بعد العام 2005 أصبح لطهران دور أكثر فاعلية في الملف اللبناني، وتعزز هذا الدور بعد حرب 2006. من هنا تسعى سورية إلى استعادة دورها في لبنان، بعدما وجدت أن الطرف الإيراني أقوى منها، لذا تسعى إلى الانفتاح على تركيا والغرب لإعادة التوازن إلى علاقتها مع طهران وصوغ معادلة جديدة لترسيخ قوتها في الملف اللبناني.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي