بين الأخذ والرد، بين الرفض والقبول، بين الانتظار والعجلة، يدور النقاش ونصدر الأحكام.
منذ زمن وأنا أرقب مثل غيري مستوى أداء النائبات في برلمان بلدي، ليس لأني أفضل منهن فأنصّب نفسي مقيّمة لأدائهن ولكن لأنها التجربة الأولى على مستوى الدولة والمجتمع، ولأنهن تقلّدن منصباً من الحساسية والخطورة بمكان فإننا نرتقب منهن الكثير، لذا فمن المتوقع أن نرصّد أداءهن لنقيّمه ثم نقوّمه.
أولاً هل يصح أن نسمّيها تجربة أم هي خبرة واقعية نضيفها لخبرات التاريخ المستقبلي النسوي في دولتنا، أيهما أصح تعبيراً؟ إن اعتبرناها تجربة فلن نستعجل في إصدار الحكم على أداء النائبات قبل انقضاء مدة المجلس الحالي، وإن اعتبرناها خبرة واقعية فإذاً من حقنا أن نحكم قبل انتهاء أعوام المجلس الحالي، بل ونقيّم كل مرحلة في حينها ووقتها.
أنا أعتقد كما يعتقد المختصون أن تواجد نائبات في المجلس ليست بتجربة قابلة للرجعة لنتنادى بالتراحم والتعاطف والانتظار حتى تنقضي مدة المجلس الحالي، أعتقد أن من حق المجتمع على النائبات أن يضعن أداءهن تحت مجهر التقييم حسب المعايير العالمية للجودة في الأداء، هذا فضلاً عن أنه من المفترض أن تطلب النائبات أنفسهن من عناصر أكاديمية متخصصة ليقيّموا لهن مدى توفيقهن في الإنجاز البرلماني، كما أننا نتوقع من النائبات وهن الأكاديميات أن يتقبلن الرأي الآخر وبصدر أرحب من الرحب لما خاضوا فيه من السلب والإيجاب من برامج عمل، هل هنّ أضفن بها ما هو منشود منهن للمجتمع الكويتي أولاً كنساء يحملن هموم تلك الشريحة في المجتمع، ثانياً كنائبات ضمن منظومة الخمسين نائبا يفترض منهن أن يحملن همّ شرائح المجتمع كافة.
نحن الذي نتفهمه وندركه أننا أمام معايير لجودة الأداء لا يمكن إغفالها تحت مظلة التعاطف مع النائبات، فلا يمكن أن نعتبرها تجربة، بل في تصوري إن الأمر لجد خطر إن أضفينا على انخراط النساء في مجلس الأمة مسمّى التجربة، وكأن البلد برمته مختبر بيولوجي في علم الأحياء ونضع قضايا البلد تحت «الميكروسكوب» لنفحص العيّنات ونعيد التجارب المختبرية وننتظر النتائج!
عزيزي القارئ هل هذا الأمر يمكن أن نعقله ونتقبله؟ أنا وأنت يمكن لنا أن نقبل أن نضع موظفا صغيرا تحت التجربة ثلاثة شهور فإن لم ينصلح حاله اتخذت الجهات المعنية قرارا وإجراء بشأنه، ولكن لا نقبل أن نطلق مسمى تجربة على أداء النائبات كلما أخفقت إحداهن في جانب صيّرناه تجربة وهرولنا للدفاع والمحاماة، وإذا نجحت في جانب آخر أطلقنا عليه إنجازاً متميزاً وتناسينا أنه تجربة، وصرخنا به عبر وسائل الإعلام بتلميعه والتسويق له!
عزيزي القارئ كيل الأمور بمكاييل قلب المسميات والمفاهيم قد تنطلي على من لا يفهم في معايير الجودة، قد تنطلي على من يفتقر إلى مصطلحات الموسوعات اللغوية، قد يغفل عنها من يفتقد ربط المسميات بالظواهر ولكنها لا يمكن أن تمر مروراً سطحياً على من يدرك كل تلك المفاهيم التقييمية والمعايير القياسية.
النائبات مستقرات في وظيفة نيابة الأمة مهما كان الأداء، و مهما علا أو انخفض الإنجاز إذاً لن نقبل اعتبارها تجربة أولى لنضفي عليها روح التبرئة ولن يكون لسان حالنا (خلّينا نعطيهم فرصة أخرى، إنها التجربة الأولى لننتظر إلى الأمام!).
عزيزي القارئ بصراحة تامة ومن الصميم إلى الصميم، لا وضع البلد يتحمّل أن ننتظر حتى تتقن النائبات ماهو مطلوب منهن، ولا أوضاع النساء في المجتمع يحتمل الاستبطاء حتى تكبر نبتة التخضرم في مجال النيابة النسائية للأمة، ولا الاحتقان السائد بمعوقات التنمية مطلوب منه التأني، ولا الإحباط السائد في نفوس المواطنين يقبل التعاطف ولا التبرير، لذا نجد كبريات التحامل وثقافة الانتقاد على النائبات هي السائدة في أوساط البلد بشرائحه كافة إذ بعد الفرحة العارمة التي فرحوها تحولت إلى خيبة أمل غير منقوصة صادرة من العديد من شرائح المجتمع.
نحن باقون هنا على خط المجتمع ننتظر من نائبات الأمة بصمات يحفرنها بإنجازاتهن وهنّ ما زلن في ميدان حميدان! نرتقب منهن إضافة بصمات واضحة وجليّة في التغيير المجتمعي ليؤثرن إيجاباً على الحراك الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي وغيره كثير في الجعبة.
عزيزي القارئ... من السهل جداً إبداء المبررات... «هناك نواب في المجلس يعرقلون إنجازاتنا». «هناك نواب في المجلس يشوّهون صورتنا». «احنا أربع فقط من أصل خمسين»! وغير ذلك، سهل جداً أن نمارس ميكانزمات الدفاع عن أنفسنا، هذا لسان حال ومقال النائبات، ولكنني أعتقد وأؤمن وأجزم بل وأوقن أنها أمانة كبرى في دين الله، وأنها خزي وندامة في تاريخ البلاد والعباد إن انقضى المجلس والنائبات مكانك سر أو، آسفة أكتب، قف، لا النساء في بلدي سينسين ولا المجتمع برمته سيرحم ولا وقت لدينا للانتظار!
هيام الجاسم
كاتبة كويتية