هيام الجاسم / في الصميم / كلما هرولوا... هرولنا ضدهم!

تصغير
تكبير
في كل يوم تطل علينا أحداث ومستجدات على مستوى الدولة والوطن والمجتمع، مع إطلالتها تتفاعل القوى الناشطة في البلد تجاهها أيما تفاعل، ترتج البلاد ويتوتر العباد وطبعاً نتوقع أنه في أثناء التعاطي مع أي مستجد فإن الاهتمام بعمليات التنمية الثقافية والفكرية كافة في المجتمع ستنخفض من حيث علمنا أو لم نعلم.

عزيزي القارئ ما يصح ما نحن فيه من ضجيج وعجيج لكل ما يدور من حولنا بحجة أننا يجب أن نسجل موقفاً، وتحت مبرر أننا لابد أن نجعل لأنفسنا حضوراً فعلياً على الأصعدة كافة... فليس كل ما يلوكه الآخرون بألسنتهم ضدنا يستحق أن نوليه اهتماماً وتفاعلاً بحجة الغيرة الدينية تجاه مقدساتنا.

قبل أيام تنادت كنيسة صغيرة في الولايات المتحدة أعضاؤها قلة إلى حرق القرآن، أمثال هذا الحدث يتكرر كثيراً، صرخنا يمنة ويسرة وامتص هذا الحدث من عافية عقولنا وقلوبنا الشيء الكثير، وبعدها بأيام سكت الإعلام فسكتنا وتراجعت الكنيسة فتراجعنا، كل مواقفنا ردود أفعال فقط لا غير، لا نكاد نرى استراتيجيات كبرى لحماية الهوية الدينية والوطنية في البلاد وللعباد من قبل أن تقع الأحداث، أنا في قناعة نفسي اؤمن أن لو كانت لنا هيبة في نفوس من يشنشنون لما جرؤوا ولما تجاسروا على ديننا ومقدساتنا، وحتى نحظى بالهيبة هناك آليات نعتمدها لا حصر لها، أيضاً أنا اؤمن أن لو كنا صنعنا خططاً كبرى لحماية جناب الدين وقاية وعلاجا لصيّرنا واقعاً محمياً من سفاسف الطاعنين شرقاً وغرباً ولضمنّا اتزانا في حماستنا وغيرتنا على ديننا.

نحن لا نريد أن نختزل قناعاتنا الدينية بتسجيل مواقف فقط عندما يطنطن الإعلام وتطنطن الفضائيات، نجري ونلهث ضدهم فنتفاعل مع أمر قد يستحق أن نوليه جزءاً من الاهتمام لا جلّه، قد يفهمني البعض خطأ ويستشيط غضباً ضدي لأنه يظن أني أقلل من شأن قضايا الدين، طبعاً هذا مما لا أرتضيه لنفسي فضلاً عن غيري، لو كنا حقيقة نعرف قدر جلالة انتسابنا لديننا وما نحمل من تراث إسلامي مهيب لما فقدنا اتزاننا الحماسي، لو كنا نفقه قول نبينا عليه الصلاة والسلام (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم.) لما تراكضنا إلى ساحة الإرادة وغيرها لنرفع رايات الاعتراض والشجب والمظاهرات.

نحن في حاجة إلى أن ندرك قول الله تعالى في مبدأ التمكين للمسلمين في الأرض «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآ توا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور».

حقيقة التمكين لدين الله مفهومه الواقعي أن لا ضرر ولا ضرار على دين الله مهما طعن به الطاعنون وخبث عليه الخابثون ولكنه مشروط بأمور يلتزمها المسلمون. لست أعني ألا نتحرك وفق آليات حكيمة راشدة لنجعل المهابة لديننا هي رأس الأمر في التعامل مع غيرنا من غير المسلمين، طبعاً أكيد وبلا شك هذا من المراد الأول والرئيسي أن ننطلق لحماية ديننا من ترهات من يدعون احترام الأديان وهم عن ذلك ببعيد، وإنما الذي أرجوه من المتحمسين للدين ألا يلهثوا ولا يهرولوا ضد أناس ممن لا يستحقون أن نوليهم أي قدر ولا أن نعطيهم قيمة في المجابهة لهم، فنحن أكبر قدراً منهم وأعلى صيانة للدين منهم بشرط أن ندرك معنى التمكين على الحقيقة بالتزام شرع الله وبثوابت دينه، والآية واضحة في معناها ومبناها ولا حاجة لأن نزايد على تفسيرها!

إن الاتزان الشرعي في إطلاق حماستنا الدينية رسالة عظمى يجدر بنا أن نرسلها لمن يريد استفزازنا وإشغالنا عن الأصل الأصيل في قضايا التنمية الفكرية والثقافية والعملية، تأصيلاً وتوعية ونشراً وترجمة إلى عمل وواقع

كلما أشعلنا شموعاً في محطات الحضارة الفكرية في بلادنا أشغلنا أصحاب الإفلاس الفكري في أطروحاتهم الضوضائية ليرد عليهم المشايخ ونواب البرلمان والمفكرون وشرائح من الشعب هنا وهناك ليجعلوها قضية أكبر مما تستحق.

هل تعرف عزيزي القارئ لماذا صرنا نحمل همّاً لفقاعات وتفاهات المعادين لديننا؟ لأننا جعلنا لهم قدراً في أنفسنا، لأننا حملنا تصريحاتهم محمل الجد، لأننا نسينا أن التمكين في الأرض لأهل الحق مهما طال الزمان، لأننا تغافلنا عن قول الله تعالى {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} وعن قول الله تبارك وتعالى «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله» غفلنا وتغافلنا عن مبادئ وتأصيلات لو عضضنا عليها بالنواجذ وترجمناها إلى واقع لما سمحنا لأمثال هؤلاء أن يخترقوا ثباتنا في توحيد سيرنا نحو التغذية الفكرية لشعوبنا، ولما سمحنا لهم أن يصرفونا عن قضايانا الكبرى في بلادنا، الناس من حولنا في عطش فكري وجوع توعوي دائم، نحن نلمس ذلك عن قرب، لا نريد من يشغلنا عن مهماتنا الكبرى في التغذية التنويرية لأجيالنا، نحن لن نسمح لأنفسنا أن يبتذلنا المبتذلون ولا أن نخوض مع الخائضين.





هيام الجاسم

كاتبة كويتية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي