كمال علي الخرس / الإسلام مثل «الشيوعية والفاشية»!

تصغير
تكبير
الإسلام لا يمكن مقارنته بالمسيحية، وأنه «أيديولوجية متسمة بالعنف مثل الشيوعية والفاشية،» تصريح نشرته الصحف للسياسي الهولندي غيرت فيلدرز.

تتكرر مثل هذه التصريحات كثيراً، ولكن الجديد في هذا التصريح هو صدوره من قبل زعيم تيار سياسي يعتبر ثالث قوة سياسية في هولندا، البلد الذي يعد من أرقى الديموقراطيات الأوروبية.

أولاً الاسلام دين يحترم جميع الديانات السماوية سواء كانت اليهودية أو المسيحية، وهو دين بالنسبة للمسلمين خاتم لكل الديانات لم يتعرض كتابه المقدس لأي تحريف كما حصل من تحريفات للديانات الأخرى، رغم ذلك فالإسلام يدعو إلى احترام الديانات السماوية الأخرى، واحترام الإنسان وعدم الاعتداء والبغي على الآخرين.

واتهام الزعيم السياسي الهولندي للإسلام بأنه شبيه بالشيوعية والفاشية هو اتهام خاو تماماً، وينطبق عليه المقولة العربية «رمتني بدائها وانسلت». وليس الباب هنا لطرح أفكار ومبادئ كل من الشيوعية والفاشية ومقارنتهما بمبادئ الإسلام، أو مقارنة الإسلام بالمسيحية، ولكن المقصود هنا هو رد ادعاء فليدرز الذي اتهم الاسلام فيه بانه ايديولوجية لا تشبه المسيحية، بل تتبع العنف مثل الفاشية والشيوعية.

صحيح أن الشيوعية والفاشية أيديولوجيتان اتبعتا العنف لتطبيق أطروحتيهما ولكن ألم يكن منبع هاتين الايديولوجيتين وهذان الحراكان السياسيان أوساطا أوروبية مسيحية؟ إن كان الرد بأن المسيحية بريئة منهما، والشعوب الأوروبية بريئة منهما كذلك، فإن الاسلام كذلك بمبادئه السمحة والمشهود لها في حالات السلم والحرب بريء تماماً من جرائم وأعمال عنف يقوم بها مسلمون باسمه أحياناً، وباسم تيارات حزبية وسياسات أحياناً أخرى.

كذلك يجب أن يتذكر السياسي الهولندي فيلدرز أن أوروبا المنتمية بشكل عام للمسيحية، هي التي قامت على مر قرون بتصفيات دينية دموية ضد اليهود وضد المسلمين في الأندلس، وأن الكنيسة في اسبانيا والبرتغال هي التي قسمت العالم بشرقه وغربه بين القوتين المستعمرتين، فأعطت صكوك التملك للسفن الاستعمارية التي خاضت غمرات البحار مستعمرة البلدان الآمنة والجزر الوادعة مروعة ومستعبدة لسكانها الآمنين، ثم أن أوروبا هي التي توظف المسيحية وغيرها لخدمة أطماعها وتطبيق استراتيجياتها بأعنف وجه ممكن، فهي إن اقتربت للتدين أبادت العقول الحرة وأجرت محاكم التفتيش وشنت حروبا صليبية، وإن ابتعدت عن الدين استعمرت الشعوب وأنتجت النازية المخيفة والشيوعية التي عاملت الشعوب كقطعان ماشية، وأوروبا التي انتجت إمبريالية تجعل الشعوب سخرة لها، وآخر منتجات أوروبا والعالم الغربي الصهيونية العنصرية ودولة إسرائيل القائمة على الاحتلال.

الإسلام بأيديولوجيته ومبادئه لا يقطع شجرة حتى في الحرب، ولا يقتل طفلاً، ولا شيخا، ولا امرأة، ولا يعتدي، لا يبدأ بقتال، ولا يمكن مقارنته بحال من الأحوال مع قوى فاسدة وظالمة جلبت الويلات والنكبات على اوروبا والعالم، وكلها اوروبية غربية بامتياز كالنازية والفاشية والشيوعية.

صحيح ليس كل ما هو أوروبي سلبيا، والشعوب الأوروبية واوروبا فيها من الخير الكثير وهي شعوب عانت بنفسها من عنف وبطش قادتها، ولكن تبقى حقيقة أن العنف يكاد يكون أكثر التصاقاً بتاريخ اوروبا والحضارات الغربية القديمة والحديثة من أي شعوب أو حضارات أخرى. وأوروبا والحضارة الغربية التي يتبجح بها فيلدز هي صاحبة الإنتاج بامتياز للشيوعية والامبريالية والنازية والفاشية والعداء للسامية والصهيونية. أما الاسلام وصاحب رسالته فمتروك لشهادة عظماء الغرب وأدبائهم، ومنهم الأديب الاوروبي الشهير برنادشو الذي يقول «إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها».





كمال علي الخرس

كاتب كويتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي